( الحلقة الأولى )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فحياكم الله وأهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقات التي سيكون الحديث فيها حول مادة من أهم المواد العلمية ومقرر من المقررات الشرعية التي اهتم بها العلماء قديماً وحديثاً، مادتنا التي سنتكلم حولها في هذه الحلقات في هذه الحلقات هي مادة القواعد الفقهية وهذه الحلقة هي الحلقة الأولى من عشرين حلقة ستتناول مفردات المقرر فيها بإذن الله عز وجل.
في هذه الحلقة سنتكلم عن مفردات المقرر ، وعن أهمية هذا العلم بشكل عام ، وعن المنهج العلمي الصحيح الذي يجب علينا أن نسير على وفقه في دراسة القواعد الفقهية ، طبعاً أنتم أخذتم في المستوى الثاني في كلية الشريعة القسم الأول من مادة القواعد الفقهية وهذا القسم الأول شمل المقدمة وشمل بعضاً من القواعد الكبرى وبعضاً من القواعد الكلية.
أما المقدمة فإنها تحدثت عن تعريف القواعد الفقهية وأهمية هذا العلم، وصلاحية القواعد للاحتجاج والاستدلال، وأهم المؤلفات التي ألفها العلماء في هذا العلم، والمناهج التي سار عليها العلماء في تأليفهم، والفرق بين القواعد الفقهية والنظريات الفقهية، وعلاقة علم القواعد الفقهية بعلم الفقه وعلاقته بعلم أصول الفقه، ونشأة هذا العلم ثم بعد ذلك جرى الحديث حول قاعدة من القواعد الكبرى وهي الأمور بمقاصدها, ثم بعد ذلك قاعدة اليقين لا يزول بالشك ,وكذلك قاعدة المشقة تجلب التيسير ,وما لحق بهذه القواعد الثلاث من بعض القواعد الكلية أو القواعد الجزئية وفي هذا المستوى وهو المستوى الرابع سنكمل بإذن الله عز وجل المفردات التي يجب على طالب كلية الشريعة أن يكون ملماً بها وسأقرأ عليكم الآن مفردات المقرر :
القواعــــد الكبـــرى :
القاعدة الأولى/ قاعدة لا ضرر ولا ضرار وما يندرج تحتها من قواعد فرعية:
القاعدة الأولى: الضرر يدفع بقدر الإمكان.
القاعدة الثانية: الضرر يزال.
القاعدة الثالثة: الضرر لا يزال بمثله.
القاعدة الرابعة: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
القاعدة الخامسة: يختار أهون الشريّن.
القاعدة السادسة: إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما .
القاعدة السابعة: يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام.
القاعدة الثامنة: درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
القاعدة التاسعة: القديم يترك على قدمه.
القاعدة العاشرة والأخيرة: الضرر لا يكون قديماً.
ثانياً / قاعدة العادة محكمة وما يندرج تحتها من قواعد فرعية وهي:
القاعدة الأولى: استعمال الناس حجة يجب العمل بها.
القاعدة الثانية: إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت.
القاعدة الثالثة: العبرة للغالب الشائع لا للنادر.
القاعدة الرابعة: الحقيقة تترك بدلالة العادة.
القاعدة الخامسة: الكتاب كالخطاب.
القاعدة السادسة: الإشارات المعهودة للأخرس كالبيان باللسان.
القاعدة السابعة: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
القاعدة الثامنة: التعيين بالعرف كالتعيين بالنص.
القاعدة التاسعة: المعروف بين التجار كالمشروط بينهم.
القاعدة العاشرة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمن وهي القاعدة الأخيرة .
ثالثاً / مجموعة من القواعد الكلية وندرس فيها:
القاعدة الأولى: قاعدة التابع تابع وما يندرج تحتها من قواعد فرعية:
القاعدة الأولى: من ملك شيئاً ملك ما هو من ضرورياته.
القاعدة الثانية: التابع لا يفرد بالحكم.
القاعدة الثالثة: يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها.
القاعدة الرابعة: إذا سقط الأصل سقط الفرع.
القاعدة الخامسة: قد يثبت الفرع دون الأصل.
القاعدة السادسة: إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه.
القاعدة الثانية من القواعد الكلية: لا مساغ للاجتهاد في مورد النص .
القاعدة الثالثة: الاجتهاد لا يوقظ بمثله .
القاعدة الرابعة: ما حرم أخذه حرم إعطاءه.
القاعدة الخامسة: إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل.
أيضاً هناك جملة من القواعد الكلية التي سنقوم بدراستها إن شاء الله في هذه المادة ومن هذه القواعد:
القاعدة الأولى: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة.
القاعدة الثانية: الخراج بالضمان.
القاعدة الثالثة: لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذن.
القاعدة الرابعة: الجواز الشرعي ينافي الضمان.
القاعدة الخامسة: الغرم بالغنم.
القاعدة السادسة: يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبراً.
القاعدة السابعة: الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان.
هذه هي مفردات المادة التي سنحاول جاهدين بإذن الله عز وجل أن تقوم بتدريسها كاملة وأنتم تعلمون بارك الله فيكم أن هذه القواعد كثيرة العدد وكل قاعدة من هذه القواعد تحتاج إلى تفصيل وتحتاج إلى شرح وتحتاج إلى بيان وأيضاً تحتاج إلى دفع بعض الإشكالات التي قد تثار حول بعض منها ولكن لما كان الوقت المضروب لهذه المادة لا يكفي لبسط الحديث حول هذه القواعد كلها ولذلك فإننا سنركز على بعض القواعد الكبرى بالشرح والإيضاح والتبيين والتمثيل وأما بعض القواعد الكلية فإننا سوف نسير في تدريسها سيراً حثيثاً حتى لا ينتهي الوقت دون المرور عليها كلها.
من النقاط المهمة التي يجب علينا أن نستصحبها قبل أن ندخل في دراسة المنهج أن علم القواعد الفقهية من العلوم التي لها الأثر الكبير والفائدة العظمى في تقرير الأحكام الفقهية وهذا التقرير سواء كان لأحكام سبق أن تكلم الفقهاء عنها وبينوها ووضحوها وفصلوا الحديث حولها في كتبهم ومؤلفاتهم أو أنها من أحكام المسائل والحوادث المستجدة التي طرأت في هذا العصر بسبب التقدم والتطور العلمي من المسائل التي لم تكن موجودة في العصر السابق فالقواعد الفقهية لها أهمية في هذا الباب, ومن أجل أن تؤتي القواعد الفقهية ثمارها بشكل واضح وبارز فإنه يجب على من رام دراستها أن يدرسها وفق المنهج العلمي الشرعي الصحيح الذي سار عليه العلماء الذين ألفوا في هذا الفن وأنتم تعلمون أن العلماء ألفوا كتباً كثيرة في هذا الفن بمناهج مختلفة فمنهم من ألف في هذا الفن باعتبار القواعد الكبرى, ثم بعد ذلك القواعد التي أقل نطاق منها أو الذين ألفوا في هذا الفن باعتبار الترتيب الأبجدي فبدئوا بقواعد حرف الهمزة ثم قواعد حرف الباء وهكذا أو الذين ألفوا بحسب الأبواب الفقهية ولا داعي لإعادة الكلام حول هذه القضية نظراً لأنكم تطرقتم إليها في المستوى السابق، الأمر الذي أحب أن أنبه إليه وأفصل الحديث حوله نوعاً ما هو المنهج الصحيح في دراسة القاعدة الفقهية فإذا أراد الطالب أن يدرس قاعدة فقهية أي قاعدة فقهية فإنه لابد أن يسير على هذا المنهج الذي سأذكره الآن:
فأول ما يبدأ الطالب بذكر ألفاظ القاعدة, وأنتم تعلمون أن هذه القواعد الفقهية في الغالب هي حصيلة اجتهادات العلماء ونتيجة نظر وتأمل في كثير من الأحكام الفقهية وقبل ذلك في النصوص الشرعية والأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما إلى ذلك، هذا الأمر أدى إلى اختلاف صياغة القاعدة عند بعض أهل العلم فنجد بعض أهل العلم يعبر عن هذه القاعدة بلفظ وبعضهم يعبر عنها بلفظ آخر وإذا كان الطالب غير منتبه إلى هذه القضية فربما ظن في أول الأمر أن هذه القاعدة تختلف عن تلك القاعدة بحكم اختلاف الصياغة ,وكما يقول علماء القواعد الاختلاف في المبنى يدل على الاختلاف في المعنى ولكن إذا كان الطالب بصيراً بهذه القضية واطلع على عبارات العلماء في ذكر هذه القواعد تبين له أن هذه القواعد لا تدل إلا على معنى واحد وإنما اختلفت الصياغة، وهذا الأمر سيأتي معنا كثيراً في المنهج بإذن الله عز وجل.
أيضاًمن المسائل المهمة فيما يتعلق بالصياغة أن الصياغة قد تختلف ويتفق المعنى وقد تختلف الصياغة وتتفق في المعنى العام ولكن تختلف في بعض الجزئيات والسبب الذي يدعو إلى اختلاف الصياغة كما ذكرت قبل قليل هو اختلاف العلماء في استنباطاتهم واجتهاداتهم وهذا أمر مهم وأيضاً أمر آخر أن القاعدة قد يكون الخلاف حولها قد حصل بين أهل العلم فنجد بعض أهل العلم يعتبر القاعدة في كل شيء وبعضهم لا يعتبرها إلا في نطاق معين، هذا الأمر أدى إلى اختلاف لفظ القاعدة فذلك العالم يعبر عن هذه القاعدة بما يخدم مذهبه وذلك العالم يعبر عن القاعدة باللفظ الذي يخدم مذهبه كما سيأتي معنا إن شاء الله, إنما فقط اليوم نشير إشارات فقط ونستصحب هذه الإشارات عند قيامنا بدراسة القواعد المذكورة في المنهج إذا انتهينا من ألفاظ القاعدة.
ننتقل إلى معنى القاعدة: ومعنى القاعدة أمر مهم جداً لأن الإنسان لا يستطيع أن يفهم القاعدة ولا يستطيع أن يطبقها على الأحكام وأن يستدل بها على المسائل إلا إذا كان معناها متقرراً في ذهنه ومعنى القاعدة يشمل الأمرين/
الأمر الأول: المعنى ألإفرادي فتأتي مثلاً بقاعدة لا ضرر ولا ضرار مثلاً كما سيأتي معنا إن شاء الله في محاضرات قادمة فنقول المعنى ألإفرادي أن نبين معنى الضرر ونبين معنى الضرار هذا هو المعنى ألإفرادي إذا انتهينا من المعنى ألإفرادي ننتقل إلى الأمر الثاني : المعنى الإجمالي فنأخذ هذه القاعدة على أنها جملة واحدة ثم نبين معناها، من الأمور المهمة فيما يتعلق بالمعنى أن العلماء الذين ألفوا في القواعد الفقهية رحمهم الله على اختلاف مذاهبهم ومناهجهم لم يكونوا يهتمون بتعريف القواعد إنما كانوا يريدونها وكان بعضهم يستدل لها ويهتمون بمسألة التطبيق ، لماذا لم يهتم العلماء بتعريف القواعد ؟ وببيان معانيها ؟ نظراً لأن هذا العلم إنما يتعرض له من كان له باع في المسائل الشرعية وله اهتمام بالفقه وله اهتمام بأصول الفقه فبالتالي الذي يتعرض لهذه القواعد لا يجد نفسه محتاجاً إلى بيان معناها نظراً لأن معناها شائع ومنتشر بين المختصين وبين المهتمين بهذا العلم ولذلك نجد أن الذين ألفوا في القواعد الفقهية من المعاصرين هم الذين اهتموا ببيان معنى القاعدة ، هذا الأمر يدلنا على سلوك سبيل فيه اختصار للوقت فإذا أراد الواحد منا أن يبحث عن قاعدة من القواعد الفقهية فلا يتعب نفسه بقراءتها ومطالعتها في كتب المتقدمين نظراً لأنهم لا يهتمون بهذا الأمر كثيراً لأن معنى القاعدة متقرر في أذهانهم إنما الذين اهتموا بهذا الجانب هم المتأخرون من المعاصرين الذين ألفوا في القواعد الفقهية سواء كان تأليفهم في قواعد مستقلة بذاتها كمن ألف مثلاً في قاعدة الأمور بمقاصدها أو قاعدة اليقين لا يزول بالشك أو قاعدة إعمال الكلام أولى من إهماله أو من ألفوا في القواعد الفقهية من حيث العموم مثلاً القواعد الفقهية المتعلقة بالضمان المالي ,أو القواعد الفقهية المتعلقة مثلاً بحقوق الإنسان, أو أخذ قواعد فقهية نص عليها عالم معين كأن يقول القواعد الفقهية عند ابن قدامه أو القواعد الفقهية عند القرافي وهكذا، إذاً الذين اهتموا ببيان معنى القاعدة هم المتأخرون إذاً انتهينا من ألفاظ القاعدة ثم بعد ذلك معنى القاعدة بعد ذلك ننتقل إلى أصل القاعدة أو الدليل الذي دل على القاعدة ،أنتم تعلمون بارك الله فيكم أن القواعد الفقهية إنما تدرس من باب فائدتها في إثبات الأحكام وفائدتها في ربط الأحكام بعضها مع بعض وإذا كانت القاعدة ليس لها أصل في الشرع لا من الكتاب, ولا من السنة ,ولا من الإجماع, ولا من القياس, ولا ممن سوى هذه الأدلة الشرعية المعتبرة فإن الفائدة من هذه القواعد لا تكاد تكون موجودة نظراً لأنه ليس لها أساس, لكن إذا بينا أن هذه القاعدة لها أساس من الكتاب أو السنة أو ممن غيرهما من الأدلة الشرعية المعتبرة فإننا نستطيع حينئذ أن نبني الأحكام عليها, وإذا قلنا الأدلة على القاعدة فإن الدليل لا يقتصر على الدليل النصي المذكور في الكتاب أو السنة نعلم لا شك أن الدليل النصي من الكتاب والسنة هو أساس الأدلة ، هو أعلاها وأقواها وإذا كانت القاعدة مذكورة بنصها أو بمعناها في الكتاب أو السنة فلا شك أن هذا الأمر يعطي القاعدة قوة وشرف وميزة لا توجد هذه الميزة في غيرها من القواعد التي لا نجد لها نصاً أو معنى في الكتاب أو السنة هناك قواعد دل عليها الكتاب وهناك قواعد دلت عليها السنة وهناك قواعد دل عليها الإجماع وهناك قواعد دل عليها الاستنباط من هذه الأدلة وهناك قواعد إنما هي عبارة عن ضبط لاجتهادات بعض العلماء طبعاً هذه القواعد تختلف قوة وشرفاً باختلاف الدليل الذي استندت إليه كل قاعدة ، إذاً انتهينا من ذكر الأدلة على القاعدة ننتقل إلى مسألة الثمرة وهي الأمثلة على القاعدة وأمثلة القاعدة هي في الحقيقة الثمرة المرتجاة من دراسة القواعد لأن القواعد الفقهية إذا ذكرنا ألفاظها وبينا معانيها ثم ذكرنا الأدلة عليها ما الفائدة منها ؟ ما الثمرة ؟ ما الغاية ؟ ما الهدف؟ الغاية والهدف والثمرة أن نطبقها على الأحكام وحين نريد التمثيل على القواعد فلا بد لنا أن نراعي أمور عديدة:
الأمر الأول: أن نراعي أن نضيف أمثلة من عصرنا الحاضر نظراً لأن الفقهاء رحمهم الله والعلماء الذين ألفوا في هذا الفن إنما ألفوا في هذا الفن حسب عصرهم فنجد أن أكثر الأمثلة المذكورة مثلاً في كتاب ابن رجب مثلاً, أو في كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي, أو في كتاب الأشباه والنظائر لابن السبكي, أو في كتاب الأشباه والنظائر لابن الملقن, أو في كتاب المجموع المذهب للعلائي أو في كتاب إيضاح المسالك للونشريزي أو في أي كتاب من كتب القواعد نجد الأمثلة المذكورة تحت كل قاعدة من القواعد الفقهية إنما هي أمثلة عصرية لذلك المؤلف نظراً لأنه يتكلم عن عصره فالأمثلة والمسائل التي ذكرها في كتابه إنما هي أمثلة متحققة في عصره ولذلك قد لا يكون من المناسب أن نركز على مثل هذه الأمثلة بل بعض الأحيان لا يكاد الطالب يفهم هذا المثال لأنه يتحدث عن شيء لم يره في عصره هو، نعم ربما نذكر هذه الأمثلة ونبين حقيقة المثال من أجل أن نبين وجه ارتباط المثال بالقاعدة لأنه بعض الأحيان قد نطلع على القاعدة ولا نفهم معناها بالشكل المناسب ولا بالهيئة التي أرادها المؤلف فننظر بالأمثلة التي ساقها المؤلف حتى نفهم القاعدة هذا هو الأمر الأول.
الأمر الثاني: نحاولأيضاً أن تكون الأمثلة متوزعة في الأبوابالفقهية نظراً لأن كثيراً من القواعد الفقهية تتصف بالشمول والعموم فإذا أخذنا مثلاً قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) نجد أنها تنطبق على أمثلة في العبادات وأمثلة في المعاملات وأمثلة في المناكحات وأمثلة في الجنايات فلا يحسن بنا أن نمثل من باب واحد أو من كتاب واحد ونترك بقية الأبواب والكتب ، وهذه القضية مهمة جداً يقع في إغفالها وعدم الاهتمام بها كثير ممن يكتب في القواعد الفقهية أو ممن يدرس هذه القواعد الفقهية.
الأمر الثالث: هناك قضية مهمة جداً أن المثال المذكور تحت القاعدة الفقهية المقصودة به بيان ارتباط المثال بالقاعدة أو بيان معنى القاعدة، أما كون هذا المثال راجحاً أو مرجوحاً هذه قضية أخرى ولذلك لا يحسن أن يسأل من يدرس هذه المادة حينما يضرب مثالاً على قاعدة من القواعد هل هذا هو الراجح ؟ أو ليس براجح ؟ هذا السؤال ليس وجيهاً وفي غير محله نظراً لأن مدرس القواعد الفقهية ومثله مدرس أصول الفقه ليس غرضه من ذكر الأمثلة الخوض في تفاصيل الراجح والمرجوح إنما غرضه من ذكر الأمثلة بيان ارتباط هذا المثال بالقاعدة أو بيان أبتناء هذا المثال على القاعدة أما كون هذا المثال راجح و غير مرجوح فليس من مهام مدرس هذه المادة ، إذا انتهينا من بيان أمثلة القاعدة ننتقل إلى مسألة يذكرها بعض المعاصرين وهي مسألة المستثنيات وأنتم تعلمون بارك الله فيكم إن القواعد الفقهية هل هي قواعد كلية ؟ تنطبق على جميع الجزئيات ؟ أو أنها قواعد أغلبية يخرج منها بعض الجزئيات ؟ هذه مسألة خلافية اختلف فيها أهل العلم منهم من يرى أن القواعد تتصف بكونها كلية وبعد:بالشمول والعموم ولا يخرج منها شيء أبداً ، وبعض العلماء يرى أنها أغلبية إنما تصدق على أغلب الجزئيات سواءً قلنا بهذا أو قلنا بهذا لا فرق فالجميع متفقون على أن القواعد الفقهية وإن وصفت بكونها كلية أو بكونها أغلبية إلا أنه قد يخرج منها بعض المستثنيات ,فالمنهج المتبع في دراسة القواعد الفقهية أن نذكر بعد الأمثلة بعض المستثنيات التي استثنيت من القاعدة يعني معنى المستثنى أن يكون الأصل دخول هذا المثال في القاعدة ولكن خرج المثال عن القاعدة لأمر ما ، لكن ينبغي علينا أن نتنبه إلى أن قضية الاستثناء واحكم بالاستثناء مسألة مهمة وتحتاج إلى نظر وتأمل لأن الاستثناء إنما يكون في الأمثلة التي ينبغي أن تدخل تحت القاعدة ولكن لأمر ما خرجت عن القاعدة لكن بعض الأحيان يكون القاعدة لها شرط ثم هذا الشرط لا يتحقق في بعض الأمثلة والمسائل فيأتي شخص ما ويقول أن هذا المثال مستثنى من القاعدة وهذا في الحقيقة خطأ علمي لا يوافق عليه لأن هذا المثال لم يدخل أصلاً حتى يحكم باستثنائه وخروجه وهذه القضية تكلم عنها عدد ممن أثاروا مسألة المستثنيات من القواعد الفقهية ، المستثنيات لها أهمية كبيرة جداً ولها أثرها في الاستدلال بالقاعدة لأن بعض العلماء قلل من أهمية القاعدة نظراً لكثرة استثناءاتها فقال إذا كانت هذه القاعدة يستثنى منها هذا المثال وهذا المثال وهذا المثال فإنها قاعدة ضعيفة نخشى أن نستدل بها على مسألة من المسائل النازلة أو الحادثة وتكون هذه المسألة من قبيل المسائل المستثناة، ولكني أقول إذا دققنا النظر وأمعناه في مسألة العمل بالقاعدة أصلاً وتجلية شروط العمل بالقاعدة وبيان موانع العمل بالقاعدة فأظن ظناً غالباً أن الإنسان إذا اهتم بهذه المسألة ودقق النظر في الشروط والموانع أظن أن دائرة الاستثناء ستكون ضيقة جداً إن لم تكن معدومة في بعض الأحيان ، أيضاً من الأمور المنهجية في دراسة القاعدة بعد الاستثناءات أن تذكر علاقة القاعدة بغيرها وأنتم تعلمون بارك الله فيكم أن علم القواعد الفقهية وإن كان مستقلاً بذاته إلا أنه مرتبط ارتباط وثيق وله صلة كبيرة جداً بعلمين له صلة بعلم الفقه من جهة وله صلة بعلم أصول الفقه من جهة أخرى فأما ارتباطه بعلم الفقه فمن حيث الأمثلة والتطبيقات وأما ارتباطه بعلم أصول الفقه فمن حيث التأصيل والتنظير, ولذلك تباينت وجهات نظر العلماء في تبعية هذا العلم فبعضهم يرى أنه تابع لعلم الفقه نظراً إلى الأمثلة والتطبيقات وبعضهم يرى أنه تابع لعلم أصول الفقه نظراً إلى كونه من القواعد والكليات ، الشاهد من هذا أن الإنسان يبين ارتباط هذا المثال بغيره من المبادئ الأصولية أو المبادئ الفقهية . بهذه الطريقة سنحاول جاهدين بإذن الله عز وجل أن نسير على وفقها في المحاضرات القادمة.
بهذا نكون انتهينا من الحلقة الأولى وأخذنا فيها ما هو ذات المقرر، وأخذنا فيها الطريقة العلمية المنهجية الصحيحة التي يجب على طالب العلم أن يسلكها إذا أراد أن يدرس القواعد الفقهية دراسة صحيحة .