جريمة اختلاس المال العام
اعداد: نائل شلط
1. تمهيــد :
جريمة اختلاس المال العام من الجرائم التي تشترط أيضا صفة الموظف العام أو من في حكمه وتنص عليها المادة 274 من القانون رقم 74 لسنة 1936 وتندرج هذه الفئة من الجرائم ضمن إطار الجرائم التي تقترف ضد المصلحة العامة ولذلك نرى من الخطأ إدراجها في القسم الخاص الذي يتعلق بجرائم الأموال بل الصواب أن يتم إدراجها في الباب الذي يتعلق بالجرائم المتعلقة بالمصلحة العامة و على وجه الخصوص بالوظيفة العامة.
يرى البعض في حقيقة الأمر أن مواد قانون العقوبات الفلسطيني رقم (74) لسنة 1936م بشأن جرائم اختلاس المال العام لا تنطبق على وقائع اختلاس الأموال العامة والاستيلاء عليها أو تسهيل الاستيلاء عليها والأضرار بها، كونها ألغيت واستبدلت بمواد القانون رقم ( 69 ) لسنة 1953م المطبقة الأمر رقم (272) لسنة 1953م بدلالة الأمر رقم (300) لسنة 1954م إذ نصت المادة الأولي من الأمر رقم ( 272 ) لسنة 1953م على أنه : " تطبق أحكام القانون المصري رقم ( 69 ) لسنة 1953م الخاص بجريمة الرشوة في المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية بفلسطين " قطاع غزة " ونصت المادة الثانية منه على أنه : " تلغي مواد القوانين الفلسطينية التي تتعارض مع أحكام هذا القانون ؛ الأمر الذي يبين معه بأن مواد قانون العقوبات الفلسطيني رقم ( 74 ) لسنة 1936م الخاصة بجرائم اختلاس الأموال العامة والاستيلاء عليها والأضرار بها قد ألغيت بموجب الأمر السابق .
وبتاريخ 29/4/1954م صدر الأمر رقم (300) لسنة 1954م ، والذي بموجبه عدلت المادة الأولي من الأمر رقم ( 272 ) لسنة 1953م ، حيث نصت المادة ( 1) منه على أنه : " تعدل المادة الأولى من الأمر رقم (272) و تقرأ كالآتي : تطبق أحكام القانون المصري رقم ( 69 ) لسنة 1953م الخاص بجريمة الرشوة و اختلاس الأموال الأميرية والغدر في المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية بفلسطين .
وحيث إنه بتاريخ 7/8/1967م اصدر قائد قوات جيش الاحتلال الأمر العسكري رقم ( 44 ) لسنة 1967م والذي بموجبه الغي العمل بالأمر رقم (272 ) لسنة 1953م ، والأمر رقم ( 300 ) لسنة 1954م ، وأعيد العمل بقانون العقوبات الفلسطيني رقم ( 74 ) لسنة 1936م .
وحيث إن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بتاريخ 20/5/1994م اصدر القرار الرئاسي رقم ( 1 ) لسنة 1994 ، والتي نصت المادة الأولي منه علي أنه : " يستمر العمل بالقوانين والأنظمة والأوامر التي كانت سارية المفعول قبل تاريخ 5/6/1967م في الأراضي الفلسطينية " الضفة الغربية وقطاع غزة " حتى يتم توحيدها .
كما أصدر سيادته بتاريخ 20/5/1998م القرار رقم ( 20 ) لسنة 1998م والتي نصت المادة الأولي منه على أنه : " تلغي المنشورات والقرارات والتعليمات العسكرية الواردة في الجدول المرفق بهذا القرار والصادرة خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة وضمنها الأمر رقم ( 44 ) لسنة 1967م .
الأمر الذي يتضح معه جلياً بأن الأمر رقم ( 272 ) لسنة 1953م ، والأمر رقم ( 300) لسنة 1954م واللذين أوجبا تطبيق مواد القانون رقم ( 69 ) لسنة 1953م الخاصة باختلاس الأموال العامة ، ما زال ساري المفعول في قطاع غزة وواجب التطبيق على جرائم اختلاس الأموال العامة والاستيلاء عليها والأضرار بها ، وذلك بموجب قراري رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية سالف الذكر عاليه ، وبالتالي فإنه لا مجال لتطبيق المادة ( 274 ) من قانون العقوبات الفلسطيني رقم ( 74 ) لسنة 1936م كونها ألغيت بموجب الأمر رقم ( 272 ) لسنة 1953م ، والأمر رقم ( 300) لسنة 1954م والقرار رقم ( 20 ) لسنة 1998م الذي ألغي الأمر العسكري رقم ( 44 ) لسنة 1967م الملغي للأمرين المذكورين . إلا أننا نرى عدم صواب هذا الرأي لأن القانون رقم (69) لسنة 1953 الخاص بجرائم اختلاس المال العام اشترط تطبيقه في المناطق الخاضعة للرقابة المصرية و كما نعلم انتهت الرقابة المصرية على قطاع غزة منذ أمد بعيد و بالتالي يجب العمل فقط بالقانون رقم 74 لسنة 1936.
المشرع المصري أدرج جرائم اختلاس المال العام في المواد 112 و119 من الباب الرابع ضمن مجموعة الجرائم التي يقترفها موظف عام وكذلك الأمر بالنسبة لقانون العقوبات اليوناني الذي أدرجها في المواد 235 - 263 تحت عنوان الجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة. القانون رقم 74 لسنة 1936 لم يعالج جريمة اختلاس المال العام حسب السياسة الجنائية الرادعة و الشاملة الكفيلة بمواجهة هذه الجريمة بشكل فعال و رادع لما في ذلك لاعتداء و ضرر خطير بالمال العام الذي تأتمنه الدولة و المجتمع و الذي يجند لصالح المجتمع و تقديم الخدمات للمواطنين. و لذلك نرى أن نصوص القانون رقم 74 عاجزة عن معالجة ظاهرة اختلاس المال العام.
2. موضوع جريمة اختلاس المال العام :
موضوع الجريمة في هذه الحالات هو المال العام الذي يكون تحت تصرف الموظف العام أو من في حكمه بشكل مشروع و بسبب وظيفته.
جرائم اختلاس المال العام تخضع للقواعد التالية:
1. الصفة المشترطة في فاعل الجريمة الأصلي هي أن يكون موظف عام أو من في حكمه كما سبق وذكرنا في جريمة الرشوة.
2. المال موضوع الجريمة هو مال عام مملوك للدولة أو هيئاتها أو الأموال المرصودة من الدولة لمشاريع وخدمات للمواطنين حتى في حالة تنفيذ إدارتها من هيئات خاصة.
3. رغم تشديد العقوبات الأصلية في مثل هذه الجرائم وفقا للقانون الجنائي المصري واليوناني وبشكل عام معظم التشريعات الجنائية وبالإضافة إلى فرض عقوبات تبعية ضد مقترفي هذه الجرائم إلا أن قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 في المادة 274 التي تشير إلى استغلال الموظف العام لوظيفته نرى أن الهدف الرئيسي من فرض العقوبة الشديدة هو حماية الملك و ليست المال العام المملوك للدولة و المواطنين و بالتالي لا نستطيع الحديث عن عقوبة قاسية تفرض ضد الموظف العام أو من في حكمه يقترف جريمة ضد المال العام و ليست لمال يعود لجلالة الملك.
نظم المشرع جريمة اختلاس المال العام في المادة 274/1936 حيث تشير المادة إلي أنه "إذا كان المجرم موظفا في الخدمة العامة و كان الشيء المسروق ملكا لجلالته أو وصل إلى حيازة المجرم بحكم وظيفته و كانت قيمته تتجاوز خمسين جنيها فيعتبر أنه ارتكب جناية و يعاقب بالحبس مدة عشرة سنوات".
وفقا لقواعد جرائم الاختلاس يجب إخضاع المادة 274/1936 إلى فئة الجرائم المخلة بالمصلحة أو الوظيفة العامة لتوافر صفة الموظف العام وموضوع الجريمة فيها الذي يشير إلي المال العام. السبب في تجريم الاختلاس هو اعتداء الموظف العام على المال العام الذي تخصصه الدولة من أجل تحقيق الأغراض والخدمات المعيشية اليومية لأفراد المجتمع ونزاهة أداء الوظيفة العامة وضرورة ثقة المواطنين بالموظفين كشرط أساسي لنجاح الدولة في تنفيذ سياستها وبرامجها بما يعود من تطور ورفاهية ونمو في جميع المجالات الاجتماعية .
الاختلاف بين جريمة الاختلاس وجريمة خيانة الأمانة هو أن موضوع الاختلاس (أي المال) في جريمة الاختلاس يعود إلى ملكية الدولة ومؤسساتها بينما موضوع الاختلاس في جريمة الأمانة هو مال يملكه فرد من أفراد المجتمع و فاعل جريمة اختلاس المال العام هو موظف عام أو من في حكمه أما من ناحية الجوهر فتتفق الجريمتان حيث يهدف الفاعل إلى تحويل المال إلى ملكية الفاعل الحائز عليه أصلا. كذلك نلاحظ أن جريمة الاختلاس لا تقع إلا من موظف عام أو من في حكمه بينما جريمة خيانة الأمانة قد تقع من أي فرد من أفراد المجتمع.
3. أركـــان جريمــة الاختــلاس :
وفقا لما سبق نستنج أن جريمة الاختلاس تشترط صفة الموظف العام ( مادة 274/1936) وبالتالي لا يمكن اقترافها إلا من موظف عام أو من في حكمه وفقا لتعريف ومعنى الموظف الذي تقره المادة 5 من قانون العقوبات وتعريف القانون الإداري بشكل مكمل. بالتالي يشتمل مصطلح "الموظف العام" على جميع العاملين في مؤسسات الدولة (وزارات، إدارات الخ) والإدارات المحلية (بلديات، مجالس محلية الخ) والهيئات العامة والمؤسسات العامة ومؤسسات القطاع العام وجميع الهيئات والمؤسسات التي تقدم خدمات عامة للمجتمع وتساهم الدولة بأموالها من أجل تأدية أغراضها.
بالنسبة لصفة الموظف إن كان يعيبها أحد العيوب فلا تأثير لذلك على صفته كموظف عام في حالة أنه كان يؤدي مهام وظيفته بشكل فعلي و بالتالي في حالة بطلان قرار تعيينه أو وقفه لمدة مؤقتة أو نهائية وقيامه بأداء مهامه حينئذ يعتد بأفعاله ويساءل عنها قانونيا بصفته كموظف عام.
في حالة أن المختلس لا يتمتع بصفة الموظف العام أو من في حكمه عندئذ لا تقع جريمة اختلاس ولكن جريمة خيانة الأمانة.
مثـــال :
حسام موظف لدى دائرة السير والمرور. ابنه تامر يفتح صندوق الدائرة وينتزع منه مبلغا من المال. رغم أن المال المختلس هو مال عام إلا أن انتفاء صفة الموظف العام في شخص الفاعل سيجعل من الجريمة جريمة سرقة وليست اختلاس أو حتى خيانة أمانة.
4. الــركن المــادي لجريمــة الاختــلاس
1.4. فعـــل الاختـــلاس :
ينقسم الركن المادي لجريمة اختلاس المال العام إلى عنصرين أساسيين وفقا لما يسلم به الشارع الأردني. هذان العنصران هما عنصر فعل الاختلاس و عنصر محل الاختلاس بينما ذهب الفقه المصري إلى اعتبار أن الركن المادي لجريمة اختلاس المال العام يتكون من ثلاثة عناصر هي فعل الاختلاس و محل الاختلاس و المسلم إلى الموظف العام بسبب وظيفته .
يتحقق فعل الاختلاس بتصرف الفاعل في المال الذي يوجد في حوزته على اعتبار أنه مملوك له بحيث يعبر هذا الفعل عن تغيير حيازة الموظف للمال من حيازة ناقصة إلى حيازة تامة. من جهة أخرى لا يمكن القبول بتعريف فعل اختلاس المال العام على أنه كل تصرف يدل على انصراف إرادة ونية المختلس إلى حرمان مالك المال من هذا المال لأن الإرادة و النية يعبران عن عناصر الركن المعنوي للجريمة أما فعل الاختلاس فيجسد أحد عناصر الركن المادي لجريمة اختلاس المال العام .
وفقا للتفسير اللغوي للمادتين 274/1936 لجأ المشرع إلى تجريم فعل الاختلاس فيما يتعلق بإخلال الموظف العام بعلاقة الأمانة بالمال العام التي تقوم بناءاً على وظيفته. الموظف العام يسيطر علي الملكية وهي بحيازته بناءاً علي صفته الوظيفية ولكن نيته تتجه نحو تملك المال الذي بحوزته بهدف التصرف به لمصلحته الخاصة وبما لا يتعلق بوظيفته. حيازة الموظف في هذه الحالة هي حيازة مؤقتة ولا تبيح له حق التصرف بالمال لصالحه الخاص. بالتالي نستنتج مما سبق أن فعل المختلس يتحقق بتحويل المال الذي بحوزته بشكل مؤقت إلى حيازته الخاصة وتملكه لصالحه الخاص بنية التصرف به .
لا عبرة بطريقة التصرف بالمال فقد يتجه سلوك الفاعل إلى تحويل ملكية المال لصالحه الخاص بوسائل شتي: بيع أو إقراض أو رهن أو إنفاقه أو إخفاؤه الخ. فعل الاختلاس يقع بمجرد تنفيذ أحد الأفعال التي تدل على التصرف بملكية المال واتجاه هذا التصرف نحو تحويل ملكية المال إلى منفعة خاصة تعود إلى الموظف العام .
مثـــال1 :
الموظف العام في وزارة التربية والتعليم يختلس 500 حزمة من الورق ويقوم ببيعها لمكتبة الهيثم لحسابه الخاص.
مثـــال2 :
حسام سائق في وزارة العدل، بعد توقفه عند محطة البترول وتزويد سيارة الوزارة بالوقود يقوم بتفريغ 10 لتر من البنزين من خزان السيارة ويستعمله لصالحه الخاص (ببيعه أو استعماله لسيارته الخاصة أو سيارة ابنه الخ).
جدل قد يدور حول رد المال المختلس إذا كان يترتب عليه انتفاء الجريمة. يسلم الفقه الجنائي المصري بأن رد المال يعني انتفاء نية تملكه و بالتالي يترتب عليه انتفاء وقوع جريمة الاختلاس . نحن نرى أن رد المال لا ينفي وقوع الجريمة في حالة ثبت فيه أن الموظف العام أو من في حكمه كان يهدف إلى تملك المال المختلس. رد المال المختلس في حالة توافر نية التملك لدى الفاعل يترتب عليه فقط تخفيف العقوبة وليست انتفاء لا مشروعية فعل الاختلاس وبالتالي انتفاء المسؤولية الجنائية.
فعل الاختلاس يعبر عن تغيير نية الموظف العام في حيازة المال و تحويلها من نية حيازة ناقصة إلى نية حيازة تامة بما يمكن المختلس من التصرف في المال بأي وجه من أوجه التصرف كالبيع أو الرهن أو الاستهلاك الخ .
القانون لا يشترط تنفيذ فعل الاختلاس بوسيلة محدودة و إنما تستوي جميع الوسائل بحيث يكفي أن تعبر عن مظهر من مظاهر خروج المال من يد المختلس إلى يد الغير أو بقاءه في يده بقصد تملكه و تحويله من ملكية القطاع العام إلى ملكيته الخاصة للتصرف به.
وفقا لما سبق فإن فعل الاختلاس يعبر عن الركن المادي للجريمة ويتحقق بتنفيذ الفاعل لأعمال التصرف بالمال العام الذي يوجد في حوزته وتسخيره لحسابه الخاص. بالتالي فعل الاختلاس يعني اقتراف فعل التصرف بالمال العام بنية التملك أو تحويله إلى ملكية خاصة وكما نعلم ووفقا لتعريف الفعل كي نتحدث عن فعل اختلاس يجب أن يتجسد هذا الفعل في عالمنا الخارجي بأعمال ملموسة وبما أن هذا التصرف قد يكون لمصلحة الدولة أو الهيئة العامة وقد يكون لمصلحة الفاعل الخاصة يتوجب أن تقترن أعمال التصرف بالمال العام بنية الفاعل علي أن يتصرف بالمال لصالحه ومنفعته أو منفعة غيره الخاصة التي لا تتعلق بالوظيفة التي يشغلها.
مثـــال1 :
حسام موظف لدى دائرة إصدار الجوازات. يختلس مبلغا من المال ويدعي أن الدائرة مدينة له بهذا المبلغ. حسام مسئول عن جريمة اختلاس مال عام.
مثـــال2 :
حسام موظف لدى مصلحة التأمين والمعاشات يختلس من الخزينة مبلغا يضاهي معاشات المتقاعدين تامر وسمير مدعيا أنه أخذ هذه الأموال كقرض منهما. حسام يعد مختلس من منظور جريمة اختلاس المال العام.
5. محل الاختـــلاس:
وفقا للمادة 274/1936 المال العام هو موضوع اختلاس فاعل الجريمة الموظف العام أو من في حكمه. يشترط في هذا المال أن يكون في حيازة الموظف أثناء أداء مهام وظيفته. موضوع الاختلاس وفقا للمادة 274 تشير إليه عبارة " ... الشيء المسروق ملكا لجلالته أو وصل إلى حيازة المجرم بحكم وظيفته وكانت قيمته تتجاوز 50 جنيهاً..".
هكذا لا يختلف الفقهاء على أن محل الاختلاس هو المال العام الذي يحوز عليه الموظف العام بسبب وظيفته و لا يحدد القانون نوع المال بل يشتمل على كل ما له قيمة يحوز عليه الموظف بسبب وظيفته مثل النقود أو الأغذية أو الأثاث الخ. حيازة المال من الجاني يجب أن تستند إلى القوانين و الأنظمة التي تسمح بوضع المال تحت تصرف الموظف العام و بالتالي يشترط القانون أن تتوافر علاقة السببية بين الوظيفة و الحيازة بحيث في حالة انتفاء هذه العلاقة لا يمكن نقل المال إلى حيازة الموظف . أما المشرع المصري فقد اعتبر أن المال العام هو كل مال يكون مملوكا للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة و كل ما تملكه المؤسسات العامة والشركات و المنشآت إذا كانت الدولة مساهمة في رأسمالها بأية صفة و المال العام هو كل مال يكون كله أو بعضه مملوكا لإحدى الجهات الآتية أو خاضعا لإشرافها :
- الدولة ووحدات الإدارة المحلية
- الهيئات العامة و المؤسسات التابعة له ووحدات القطاع العام
- النقابات و الاتحادات و المؤسسات و الجمعيات ذات النفع العام
- الجمعيات التعاونية و الشركات و الجمعيات و الوحدات الاقتصادية و المنشآت التي تساهم فيها الدولة.
موضوع الاختلاس يعتبر أي مال منقول مهما كان نوعه أو حجمه ولا يدخل في مفهوم المال العقار لأنه لا يمكن وقوع جريمة اختلاس على مال عقار (يسلم بذلك علماء الفقه الجنائي المصريون) .
المال موضوع الاختلاس يتوجب أن يكون مملوكا للدولة أو لأحد الهيئات العامة أو المؤسسات ذات النفع العام وأن ترجع حيازة المال العام لدى الموظف بناءاً على وظيفته العمومية. المادة 274 لا تشير إلى شرط أن يعود المال للدولة أو إحدى مؤسساتها و لكن اقتصر إلى الإشارة إلى أن المال يعود إلى جلالة الملك. كذلك يمكن أن نستخدم عبارة "المسروق" لأن المال عندما يكون في حيازة الشخص الذي يسلبه بنية التملك يعتبر مختلسا و ليست سارقا وذلك بسبب أن السرقة تشترط انتزاع الملكية دون علم المجني عليه و رغما عن إرادته و هذا ما لا يحدث في جريمة الاختلاس أو خيانة الأمانة.
المشرع الجنائي لا يشترط أن يكون المال نقداً أو قابل للتقويم بالنقود فقد يكون موضوع الاختلاس أي مادة يمكن أن تشكل موضوع ملكية. بالطبع قد يكون لهذه المادة قيمة نقدية أو أدبية أو معنوية الخ.
مثـــال :
موظف البريد يختلس لوحة فنية معلقة في مكتب المدير.
التفسير المنطقي واللغوي للمادة 274 يجب أن يؤدي إلى التسليم بأن المال المختلس قد يكون مملوكا لأحد الجهات الحكومية أو خاضعاً تحت إشرافها أو أنه يكون مملوكا لفرد أو مشروع خاص وبالتالي قد يكون المال ملكا للدولة بصورة كاملة أو قد يكون الموظف العام قد حصل عليه من فرد أو مؤسسة خاصة لصالح الدولة بناءا على ممارسته لمهام وظيفته. كذلك لا يشترط في المال أن يكون مشروعا فقد يكون نتيجة سبب لا مشروع ويقدم الموظف العام أو من في حكمه على اختلاسه بحكم وجوده تحت تصرفه.
مثـــال1 :
حفظ المخدرات التي تم ضبطها ثم اختلاسها من الموظف القائم على حفظها.
مثـــال2 :
حفظ المسروقات وقيام الموظف المسئول عنها باختلاس بعضها.
المال يجب أن يكون في حيازة الموظف بسبب وظيفته ولذلك الموظف الذي يجد مالا مفقودا ويقرر الاستيلاء عليه لا يقترف جريمة اختلاس وكذلك الأمر بالنسبة للموظف الذي يعمل على سبيل المثال لدى شرطة مركز النصيرات ويقرر خلال تواجده في مصلحة الضرائب وبغياب موظف الخزينة أن يستولي علي بعض الأموال. بينما الشرطي الذي تأتمنه مصلحة الضرائب على نقل الأموال إلى البنك المركزي ثم يقدم على اختلاس بعض من هذه الأموال يكون قد اقترف جريمة اختلاس بسبب وجود المال في حيازته وضمن إطار المهام الوظيفية التي يقوم بها .
وفقا لما سبق وكما يسلم به الفقه الجنائي المصري واليوناني يجب أن نقبل بأن الشرط الأساسي لحيازة الموظف على المال العام هو أن يرجع هذا المال إلى دائرة اختصاصه الوظيفي التي يرسمها له القانون أو الأمر أو اللائحة الداخلية للدائرة التي يعمل بها. بذلك يجب أن نقبل بالدفع الذي يقدمه المتهم بأن المال موضوع الاختلاس كان موجودا فقط في عهدته ولا يحوز عليه بسبب وظيفته. وبالتالي حيازة المال من الموظف العام يجب أن تستند إلى تسليمه إياه بناءا على قاعدة اختصاصه الوظيفي . المادة 274 تشير إلى أن الحيازة يجب أن تؤول إلى الموظف ".. بحكم وظيفته/مادة 274" وبالتالي لا يكفي أن يكون الموظف قد حصل على المال دون أن تختص فعليا وواقعيا حيازته على المال ضمن إطار مهامه الوظيفية. بالتالي الحالات التي يحوز فيها الموظف على المال خارج إطار وظيفته يمكن إرجاعها إلى جرائم خيانة أمانة إن كان المال خاصا أو جريمة سرقة حسب الوقائع أو جريمة استيلاء على مال عام في حالة تبديده إياه.
زمن اقتراف جريمة الاختلاس هو المدة الزمنية التي كان يعتبر فيها الموظف مختصا ولذلك المدة الزمنية التي تسبق الاختصاص لا يترتب عليها تحقيق الركن المادي لجريمة اختلاس وإن تتوفر شروط لملاحقة ومساءلة قانونية عن فعل سرقة أو استيلاء على مال عام كما ذكرنا في الفقرة السابقة.
تسليم المال أو حيازة الموظف العام عليه لا يشترط سندا معينا أو طريقة تسليم محددة بل يكفي أن تؤول الحيازة في إطار الاختصاص الوظيفي ولا عبرة في زمن التسليم حيث يكفي أن يكون قد تم التسليم ضمن إطار الاختصاص الوظيفي .
خلاصة ما سبق أن تحقيق عناصر الركن المادي لجريمة الاختلاس تتلخص في تحويل ملكية المال العام إلى ملكية الموظف الخاصة ضمن إطار حدود اختصاصه الوظيفي وبالتالي الركن المادي يرتكز إلى النقاط التالية :
- أن يكون الفاعل موظف عام أو من في حكمه
- موضوع الاختلاس هو المال العام من مؤسسات الدولة أو من تلك التي تساهم فيها.
- حيازة الموظف على هذا المال.
6. الــركن المعنـوي لجريمــة الاختــلاس :
جميع التشريعات الجنائية تشترط قصد جنائي (عمد) من أجل وقوع جريمة الاختلاس ولا يمكن تصور وقوعها بالخطأ الناتج عن إهمال الموظف أو تقصيره أو رعونته , بل ذهب الفقه إلى أبعد من ذلك واعتبر أن القصد الجنائي في جريمة الاختلاس هو قصد خاص ولا يكفي القصد العام من أجل وقوع الجريمة.
القصد العام يتجسد بإرادة الفاعل بتحقيق فعل الاختلاس من ناحية مادية. أيضا يشترط القانون علم الفاعل بأنه موظف عام وحيازته لمال عام تستند إلى صفته الوظيفية واختصاصه وأن سلوكه الذي ينفذه يؤدي إلى تحقيق النتيجة الإجرامية التي تتمثل بفقدان ملكية الدولة للملكية وتحويلها إلى ملكيته الخاصة للتصرف بها.
القواعد العامة التي تنطبق على الغلط في الواقع أو القانون تنطبق على الاختلاس وفي حالة تبريرها تؤدي إلى انتفاء القصد الجنائي لدى الموظف العام أو من في حكمه.
بالنسبة للقصد الخاص في جريمة الاختلاس فيتعلق باتجاه نية الفاعل إلى تملك المال موضوع الجريمة وبالتالي الموظف العام الذي يحوز على المال ينفذ أعمال محددة كي يحول ملكية المال العام إلى ملكيته الخاصة للتصرف بها لصالحه الخاص.
من الممكن أن لا يسعى الموظف العام إلى العمل على تحقيق نية تملكه للمال بل فقط أن ينحصر باستعماله وهنا يكمن وجه الاختلاف الجوهري بين جريمة الاختلاس التي تتمثل بنية تملك المال بشكل نهائي ونية تملك المال بنية المنفعة به بشكل مؤقت .
مثـــال1 :
حسام يعمل كسائق لدى الجيش, يستخدم سيارة الجيش لقضاء حاجياته الشخصية, جريمة اختلاس منفعة.
مثـــال2 :
حسام موظف في وزارة التموين, أثناء توزيعه كميات من السكر يختلس 5 كيلو ويذهب بها إلى منزله لاستعمالها. الموظف يقترف جريمة اختلاس لأن استعمال السكر يؤدي إلى التبديد بالمال (السكر) بشكل نهائي.
7. عقوبـــة جريمـــة الاختـــلاس :
تنص المادة 274 على عقوبة جريمة الاختلاس التي يقترفها الموظف العام ضد أملاك الملك أو أموال آلت إلى حيازته بحكم وظيفته بالحبس لمدة عشر سنوات إن كانت قيمة المسروق أكبر من خمسين جنيها وبمقتضى ذلك توصف الجريمة كجناية.
بالنسبة للأموال التي يختلسها الفاعل فلا داعي أن ينص على ردها قانون العقوبات وذلك لأن مرحلة التحقيق في الجريمة تؤدى إلى حق النيابة بضبط كل ما يتعلق بالجريمة وإصدار قرار من المحكمة بشأنها مرفقا بالقرار النهائي الصادر منها بحق الاتهام الموجه للفاعل. وهنا نختلف مع صياغة المادة 118 من قانون العقوبات المصري حيث تشير إلى رد المال الذي يختلسه الفاعل, بينما يتفق بعض فقهاء القانون الجنائي المصريون مع عدم الحاجة إلى أن تنص المادة 118 على رد المال لأن رده يعتبر حق طبيعي وأساسي للدولة .