نفقة المتعة هي حق من الحقوق الشرعية للمرأة المطلقة ... وهي عبارة عن المال الذي يدفعه الزوج ( المطلق ) عوضاً عن ترك الزوجة ومفارقته لها ويكون هذا العوض بسبب ما يصيبها من ألم وليرفع عنها وصف الإساءة .
وسبب وجوب المتعة هو النصوص الصريحة مثل قوله تعالي :{{ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ }} البقرة ( 236 )
وقد استخلص الفقهاء من هذا النص وغيره من النصوص من لها المتعة والحالات التي تتقرر فيها وفي أي الأموال تكون والأسس التي ينبغي تقديرها عليها وشروط استحقاقها وغير ذلك من الأمور المتعلقة بها .
ولذلك كان لزاماً علينا عند الحديث عن نفقة المتعة إلقاء الضوء علي عدة نقاط هامة لذلك قسمت حديثي هذا إلي عدة نقاط تتمثل في :
أولاً : تعريف نفقة المتعة
المتاع فى اللغة :
المتاع : كل ما ينتفع به ويرغب في اقتنائه كالطعام والثياب وأثاث البيت والمال .
وأمتع الرجل مطلقته : أعطاها المتعة بعد الطلاق .
ومتعة المرأة : ما يعطيه الزوج لزوجته بعد الطلاق لتنتفع به كالمال والخدم .
والمتعة فى اصطلاح الفقهاء :
هي ما يعطيه الزوج لزوجته عند طلاقها ، تطييباً لنفسها عما يرد عليها من ألم ، وتسلية لها عن الفراق .
وفى رأيي :
أن نفقة المتعة هي مال يتم دفعه من قبل الزوج المطلق للمطلقة تعويضاَ لها عما أصابها بسبب الطلاق من آلام وليرفع عنها وصف الإساءة عن فرقة لم يكن لها يد فيها ويعد بمثابة شهادة بأن الطلاق ليس لعلة في المطلقة وإنما لعذر يخص المطلق وبسبب يرجع إليه .
ثانياً : حكم نفقة المتعة
اختلف الفقهاء حول حكم نفقة المتعة من حيث الوجوب والندب ... وبادئ ذي بدء فإن حكم نفقة المتعة دائر بين الوجوب والندب ، فتجب نفقة المتعة للمطلقة قبل الدخول الحقيقي أو الخلوة الصحيحة في عقد لم يسمى فيه مهراً أو سمي تسمية غير صحيحة .
وبعبارة أخرى فإن نفقة المتعة واجبة للمطلقة التي كان يجب لها مهر المثل إذا حصل دخول حقيقي أو حكمي .
فوجوب المتعة قبل الدخول يكون بديلاً عن وجوب نصف المهر في عقد الزواج الذي صحت فيه التسمية وهذا ما ذهب إليه نص الآية : " لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ " البقرة (236)
ومفهوم ذلك أن المرأة التي طلقت قبل الدخول أو الخلوة وسمي لها مهراً فإنه يجب لها نصف المهر وهذا هو ما يفيده قوله تعالى "وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " البقرة (237)
فلما انعدمت التسمية أو لم تصح جعلنا البديل هو المتعة .
ثالثاً : سبب وجوب نفقة المتعة
أدلة الفقهاء علي وجوب نفقة المتعة :
1 ـ جمهور الفقهاء :
اتفق جمهور الفقهاء على وجوب نفقة المتعة لكل مطلقة قبل الدخول والخلوة الصحيحة ، إذا لم يسم لها مهر ، وذلك لقوله تعالى " لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ " .
ومما يدل على وجوب المتعة للمطلقة قبل الدخول ولم يسم لها مهر ، هو الأمر بها فى قوله سبحانه " وَمَتِّعُوهُنَّ " والأمر يقتضي الوجوب ، حتى تقوم الدلالة على الندب ، ولأن مهر المثل يجب للزوجة بمجرد العقد عليها في هذه الحالة ـ وهي حالة عدم التسمية ـ والمتعة هي بعض مهر المثل ، فتكون واجبة ، كما يجب نصف المسمى فى حال الطلاق قبل الدخول ، إن كانت هناك تسمية مهر ، فالمتعة إذن بمنزلة نصف المسمى ، ولأنه قد لحق هذه المرأة بالعقد والطلاق قبل الدخول ابتذال ، فكان لها المتعة بدلاً عن الابتذال وتخفيفاً عنها .
2 ـ الإمام احمد بن حنبل :
وهناك رواية عن الإمام أحمد بن حنبل :
( فان طلقها قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا المتعة ) إذا طلقت المرأة قبل الدخول فليس لها إلا المتعة نص عليه احمد في رواية جماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول
(( الشرح الكبير لابن قدامة جزء 8 صفحة 88 ))
3 ـ الإمام مالك :
وقال مالك وأصحابه ، وابن أبى ليلى، والليث بن سعد، إن المتعة للمطلقة قبل الدخول وقبل تسمية المهر ، وكذا غيرها من بقية المطلقات ـ عدا المطلقة قبل الدخول وبعد التسمية ـ ليست بواجبة ، بل هي مندوبة أو مستحبة ، وذلك لما يأتي :
1 ـ لأن الله تعلى لم يقدرها ، وإنما وكلها إلى اجتهاد المقدر ، ولو كانت واجبة لتولي الله سبحانه وتعالي تقديرها .
ويجاب على ذلك : بأن الله تعالى قد وكل التقدير في النفقة إلى الاجتهاد ـ أيضاً ـ وهي واجبة بالاتفاق فعدم التقدير إذن لا يمنع الوجوب .
2 ـ أن الله تعالى قال في المتعة : " حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ " ، " حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " .
ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين ، دون تخصيص ، لأن الواجب يكون حتماً على المحسنين وغير المحسنين ، وعلى المتقين وغير المتقين .
ويجاب عن ذلك بأن المراد بالمحسنين وبالمتقين : المؤمنون ، والمؤمن هو الذي ينقاد لحكم الشرع ، ويلتزم بأحكامه ، وأن قوله سبحانه : " حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ " تأكيد لإيجاب المتعة ، لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ، وفي ارتكاب معاصيه .
وروي الإمام مالك في الموطأ :
عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول (( لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق ولم تمسس ، فحسبها نصف ما فرض لها )) .. وهذا يشمل المطلقة بعد الدخول .
( ونفقة المتعة ) هي ما يعطيه الزوج ولو عبدا لزوجته المطلقة زيادة على الصداق لجبر خاطرها (( على قدر حاله )) لقوله تعالى : (( على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ))
(( الشرح الكبير للشيخ الدردير جزء 2 صفحة 425 ))
4 ـ الإمام أبو حنيفة :
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن المتعة مستحبة لكل مطلقة عدا المطلقة قبل الدخول وقبل التسمية ، فهي واجبة لها ، وفقاً لجمهور الفقهاء، وعدا المطلقة قبل الدخول ، وقد سمي لها، لأن الواجب لها نصف المهر ، بقوله تعالى : "وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ " فقد استحقت نصف المسمى بنص الآية الكريمة ، وهو ـ أي نصف المسمى ـ يقوم مقام المتعة .
وأما المطلقة بعد الدخول ، سواء سمي لها مهر ، أو لم يسم : فالمتعة بالنسبة لها مستحبة لقوله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا " الأحزاب (28) وقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل بهن ، فدل على أن نفقة المتعة مستحبة في هذه الحالة .
(( المبسوط جزء 7 صفحة 286 ))
5 ـ الظاهرية :
وذهب الظاهرية إلي القول بأن المتعة فرض على كل مطلق ، سواء كان طلاقه طلقة واحدة أو اثنين أو ثلاثاً ، وسواء دخل بزوجته أو لم يدخل بها ، وسواء فرض لها صداقاً أو لم يفرض لها ، واستند الظاهرية في قولهم هذا إلي قوله تعالى : " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " البقرة (241) ، وإلي قوله تعالى : " لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ " البقرة (236) ، فقد أوجب الله تعالى نفقة المتعة لكل مطلقة ، ولم يخصص ، وأوجبها ـ أي المتعة ـ حقاً لها على كل متق يخاف الله تعالى .
6 ـ الإمام الشافعي :
وقال الإمام الشافعي المطلقات بالنسبة لاستحقاق نفقة المتعة ثلاث :
مطلقة لها المتعة قولاً واحداً ، مطلقة لا متعة لها قولاً واحداً ، مطلقة أختلف في وجوب المتعة لها .
( أ ) مطلقة لها المتعة قولاً واحداً :
وهي المطلقة فهي التى تزوجها مفوضه ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها قبل الفرض والمسيس .. لقوله تعالي : (( لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ )) البقرة (236) .. ولأنه قد لحقها بالعقد والطلاق قبل الدخول ابتذال , فكان لها المتعة بدلاً عن الابتذال .
( ب ) مطلقة لا متعة لها قولاً واحداً :
وهي المطلقة فهي التى تزوجها وسمي لها مهرا في العقد أو تزوجها مفوضه وفرض لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول ، لان الله تعالى علق وجوب المتعة بشرطين ..
الأول : ـ وهو الطلاق قبل الدخول ، والثاني : ـ ألا يفرض للزوجة مهر .
وهنا أحد الشرطين غير موجود وهو عدم الفرض لها ... وذلك لأنه سبحانه وتعالي لما أوجب المتعة لمن لم يفرض لها دل ذلك علي عدم وجوبها لمن فرض لها .. ولأنه حصل لها في مقابل الابتذال نصف المسمي ، فقام ذلك مقام المتعة ، وهنا قد جعل لها نصف المهر .
( ج ) مطلقة أختلف في وجوب المتعة لها :
فهي التى تزوجها وسمي لها مهرا في العقد ودخل بها أو تزوجها مفوضة وفرض لها مهرا ودخل بها أو لم يفرض لها مهرا أو دخل بها، ففي هذه الثلاث قولان .
القول الأول : لا تجب لها المتعة ، لأنها مطلقة من نكاح لم يخل من عوض .. وهو المهر المسمي في حال التسمية .. ومهر المثل في حال عدم التسمية . لذلك لم تجب لها المتعة .
القول الثاني : أن لها المتعة ، وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، والحسين بن علي رضي الله عنهما ، لقوله تعالي : ((وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )) البقرة (241) .. فقد جعل الله تعالي في هذه الآية المتعة لكل مطلقة .. إلا ما خصه الدليل .
ولقوله تعالي : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا )) الأحزاب (28 ) .. وهذا في نساء النبي صلي الله عليه وسلم ـ اللائي دخل بهن .
(( المجموع جزء 16 صفحة 388 وما بعدها ))
وفى رأيي :
أن سبب وجوب نفقة المتعة هو الطلاق المستبد به من الزوج وتعويضاً للمرأة عن فرقة لم يكن لها يد فيها ولم تأت من جهتها فهي مواساة لها عن ذهاب آمالها في زواج كانت ترجو من ورائه حياة مطمئنة والحكمة من تشريعها هي جبر خاطر المطلقة من إساءة استعمال الزوج ( المطلق) لحقه في الطلاق فنفقة المتعة فرض على كل مطلق .
وأن الواجب للمطلقة قبل الدخول ولم يسم لها مهر هو نصف مهر مثلها ، لأنه إذا كان نكاحها صحيح فيجب لها مهر المثل بعد الدخول ، فمن باب أولي يجب نصف هذا المهر بالطلاق قبل الدخول .
موقف القانون المصري
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المصري بما قال به الإمام الشافعي وهو وجوب المتعة لكل مطلقة بعد الدخول أو المطلقة قبل الدخول ولم يسم لها مهر ... حيث نص في المادة 18 مكرر من قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 والذي نص علي أن (( الزوجة المدخول بها فى زواج صحيح إذا طلاقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسرا أو عسرا ومدة الزوجية ويجوز أن يرخص للمطلق فى سداد هذه المتعة على أقساط )) .