خطة البـحـث-*-
مقـــــدمة
الفصل الأول:ماهية القانون وبيان خصائصه
* المبحث الأول: تعريف القانون
المطلب الأول:القاعدة القانونية و النظام القانوني
المطلب الثاني:علوم القانون و خصائصه
* المبحث الثاني: القانون قواعد تنظم سلوك الأفراد داخل المجتمع
المطلب الأول: القانون خطاب للأشخاص
المطلب الثاني: القانون قواعد اجتماعية
*المبحث الثالث:أنواع وخصائص القاعدة القانونية
المطلب الأول: أنواع القاعدة القانونية
المطلب الثاني: خصائص القاعدة القانونية
الفصل الثاني: الأشخاص المخاطبين بحكم القانون
*المبحث الأول: نظرية الشخصية القانونية
* المبحث الثاني: التعريف بالشخص الطبيعي وذمته المالية
* المبحث الثالث: التعريف بالشخص الاعتباري وذمته المالية
الفصل: الثالث: نطاق تطبيق القانون على الأشخاص
*المبحث الأول: مبدأ عدم جواز الاعتذاربجهل القانون
المطلب الأول:مضمون مبدأ عدم جواز الاعتذاربجهل القانون
المطلب الثاني: أساس مبدأ امتناع الاعتذاربجهل القانون
* المبحث الثاني: نطاق مبدأ امتناع الاعتذاربجهل القانون
* المبحث الثالث: الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ
المطلب الأول:القوة القاهرة
المطلب الثاني: الغلط
المطلب الثالث:الجهل بتشريع غير جنائي يتوقف عليه تقرير المسؤولية الجنائية
المطلب الرابع:جهل الأجنبي بأحكام الدولة التي نزل بها
خاتمة
قائمة المراجع
-د. محمد سعيد جعفور/مدخل الى العلوم القانونية = الوجيز في نظرية القانون=
- دار هومة- طبعة2004
-د.عبد الناصر توفيق العطار /مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة الاسلامية , - مطبعة السعادة مصر .دون تاريخ -
-د. عمار بوضياف / المدخل للعلوم القانونية .
- دار ريحانة / ط.2000-
- محمد محي الدين , مـحاضرات في القـانون الدولي العام / *ط.ديوان المطبوعات الجامعية 1987 *
- الدكتورة/هجيرة دنوني, موجز المدخل للقانون الجزائر.
- منشورات دحلب -
- د.حبيب ابراهيم الخليلي. المدخل الى العلوم القانونية .
- ط.ديوان المطبوعات الجامع
*مــقدمــة*
عندما ينظر الإنسان إلى نفسه وما حوله ويتأمل ... من خــلق السموات والأرض وما بينهما ؟ من ذا الذى يسيطر على حركة الشمس والقمر والكواكب والنجوم ؟ من ذا الذي أعطى الطير قدرة على الطيران في الهواء وأعـطى السمك قدرة العيش في الماء ؟ من الذي خلق في جسم الإنسان وفى كل كائن حي أجهزة دقيقة دموية وهضمية وتنفسية وتناسلية...؟ من ذا الذي ينبت الزرع ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي...؟ عندما يتفكرالانسان على هذا النحو في ملكوت السموات والأرض وما بينهما وما عليه من نظام ودقة متناهية يدرك أن خالق ذلك كله ومنظمه ومـدبره هو من نطقت جميع الألسنة بإسمه , هو الله تبارك وتعالى, ولا يلبث الإنسان أن يحس بحاجته إلى إيجاد صلة له بالله عز وجل , وهنا نجد الدين يعطيه القواعد التي توجد هذه الصلة وتنظمها , فيبين له كيف يصلي أو يصوم أو يزكي أو يحج... وكيف يستعين بالله ويستهديه ويخشاه ويتوكل عليه , والإنسان الذي يقطع صلته بالله يعيش ضائعا مهما حقق من رغباته , وأشبع من حاجاته حتى يأتيه الموت وعندئذ يترك كل ما عنده , وكل ما حوله, فهل ترك هملا أو خلق عبثا ؟ لا يعقل أن يضع الخالق في الكون هذا النظام المحكم والموازين الدقيقة لكل شيء فيه ثم يترك حياة الإنسان سدى بلا نظام , ولا ميزان فـيظلم قويـهم ضعيفهم ويكيد خبيثهم لطيبهم , دون أن يحدد لهم موعدا للحساب ؟ وليس بعث الإنسان بعد موته بأمر مستحيل , فمن خلق الإنسان قادر على إعادة خلقه والدليل المادي على ذلك أن الإنسان بعد موته يصير إلى تراب , يختلط بغيره من تراب الأرض , وإذا نظرت إلى الأرض كيف ينبت الله منها نباتا فيه من كل زوج بهيج أدركت أن الذي أخرج منها هذا النبات الحي قادر على أن يخرج منها الموتى أحياء ليوم الحساب , ولهذا تجمع كل الأديان السماوية على أنه لابد من جزاء هو الجنة أو النار, كذلك يجد الإنسان أنه بحاجة إلى تنظيم سلوكه مع نفسه , كيف يبدو نظيفا طاهرا وكـيف يأكل ويشـرب وينام ....ألا ترى مثلا أن من يهمل نظافة جسده يبدو قبيح المنظر , نـتن الرائحة ولا يلبث أن يكـون بؤرة لبعض الحشرات , وقد يصيبه الجـرب أو غـيره من الأمراض , ولو ذهب إلى الناس لأحتقروه وفروا من مصــاحبته وقد يعزله الحاكم في مصحة ..الخ , لهذا في قواعد الدين الإسـلامي وفي قواعـد بعض الأديان الآخرى وفي عرف الناس وآدابهم ما ينظم سلوك الشخص مع نفسه , ولا غنى للإنسان عن الحياة في جماعة , فقد خلق الله الإنسان وقسم له أن يجعله خليفة في الأرض إلى حين , ولم يشأ جلت حكمته أن يتركه وحيدا بين مخلوقاته الآخرى , بل خلق له زوجة ورزقه منها بنين وبنات , ولا يسـتطيع الإنسان أن يعيش عمره منفردا , فهو في حاجة إلى غيره من بني الإنسان ليضمن إستمرار وجوده على الأرض بأن يتزوج وتكون له ذرية , وليتبادل مع غـيره خيـرات الأرض , فيقايض , ويبيع , ويشتري , يرهن , ويستأجر, ويستعير, وهو الى
جانب تكوينه أسرة , يكون عشيرة أو قبيلة أو جمعية أو حزبا , أو شعبا , أو دولة , أو
أمة ...هكذا تنشأ في حياة الجماعة علاقات بين الأفراد عائلية , أو مالية , أوسـياسية , أوغيرذلـك من العــلاقات التي تحقق للإنسان رغباته وتقضي حاجاته... والإنسان وهو يسعى إلى الحصول على مطالبه وإشباع حاجاته , قد تتعارض مصالحه مع مصالح غيره من الناس , ولو ترك لكل شخص أمر تنظيم علاقاته مع غيره من الأشخاص لتداخلت الأهواء , ولكثر النزاع ولأصبحت الغلبة للأقوى فـتسود الفوضى ويختل النظام , ولهذا أدرك الإنسان حاجته إلى قواعد تنظم سـلوكه في المجتمع يكون معظمها جزاء مادي دنيوي , تطبقه السلطة العليا في الجماعة , حتى يكون زاجرا لكل من تسول له نفسه أن يعبث بمصالح الآخرين , أو يخل بالنظام , هذه القواعد قد يجدها في أوامر الدين و نواهيه أو في عرف الناس أو فيما يأمر أو ينهي عنه رئيس الجماعة أو حاكمها , من هذا المنطلق سنتناول في عملنا المتعلق بنطاق تطبيق القانون على الأشخاص , محاولين التعرض إلى النقاط التي يمكننا إدراجها في هذه المذكرة , والتي تدور في نفس الإتجاه .
حيث قسمنا بحثنا الى ثلاثة فصول , الفصل الأول يتناول ماهية القانون و بيان خصائصه وأنواع القاعدة القانونية , وفي الفصل الثاني نتطرق الى الأشخاص المخاطبين بحكم القانون , فيما خصصنا الفصل الثالث الى نطاق تطبيق القانون على الاشخاص.
الفصــــل الأول
*ماهية القانون وبيان خصائصه............................................ ...07
* المبحث الأول: تعريف القانون........................................... .......07
* المبحث الثاني: القانون قواعد تنظم سلوك الأفراد داخل المجتمع.................08
*المبحث الثالث:أنواع وخصائص القاعدة القانونية................................14
الفصل الأول:
ماهية القانون وبيان خصائصه:
الإنسان إجتماعي بطبعه لايستطيع أن يعايش ظروف الحياة بمفرده وإنما يجب أن ينخرط ضمن جماعة من الناس وهذا مايوجب بالضرورة دخول الإنسان الفرد مع الجماعة التي يعيش فيها و معها في علاقات ومعاملات عديدة يستطيع من خلالها إشباع حاجاته.
إلا أن قيام مثل هذه العلاقات بين الإنسان الفرد مع الجماعة وأفراده, يؤدي إلى قيام التعارض بين مصلحته كفرد ومصلحة الآخرين, هذا لتعارض من شانه أن يخلق الفوضى و الاضطراب في المجتمع , و من ثم كان من الواجب وضع تنظيم للعلاقات التي يجريها الإنسان الفرد مع غيره, وذلك رغبة في إيجاد نوع من التوازن بين المصالح المتعارضة في حياة الفرد داخل المجتمع.
وتنظيم هذه العلاقات لايكون إلا من خلال وضع القواعد القانونية الملزمة لتحديد حقوق الأفراد قبل الجماعة التي يعيشون فيها قبل بعضهم البعض , وكذلك تحديد الواجبات التي تلقى على عاتق كل واحد منهم لصالح الجماعة أو لصالح الأفراد الآخرين ولتحديد ضوابط سلوك كل فرد في علاقاته مع الجماعة أو افرادها, مع فرض الصفة الإلزامية للقواعد حتى يتعين على الأفراد احترامها والخضوع لها.
من هنا تبدو الحاجة الماسة للقانون , فهو الذي يقيم التوازن بين مصالح الافراد المتعارضة , او التوفيق بينها ممايؤدي الى الاستقرار في المجتمع وعدم الاضطراب في السلوك الاجتماعي للانسان , كل ذلك يؤدي الى صدق القول ان لاانسان اجتماعي بدون جماعة, ولا جماعة مستقرة و منظمة دون قانون .
المبحث الأول:
تعريف القانون: لفظ قانون ليس لفظا عربيا , وقد أستعمل في اللغة العربية بمعنى الأصل , فقانون الشيىء أصله , كما أستعمل بمعنى المقياس , فقانون الشيء مقياسه , وبهذا المعنى أستعمل في العلوم الطبيعية , فيقال قانون الطفو على الماء , وقانون الجاذبية الأرضية ...أي مقياس ذلك , وهوعلى هذا يعبر عن أمر إستقام على وتيرة واحدة ونظام ثابت معين , وعند اليونان (كانونkanun ) بمعنى العصى المستقيمة , ويستخدم هذا اللفظ مجازا , للتعبير عن القاعدة والقدوة والمبدأ , ومن الجائز أن تكون كلمة القانون عربت عن هذا الأصل اليوناني إلى اللغة اللاتينية بلفظ kanon ومن معانيه فيها , أنه القاعدة الخاصة بالعقيدة , أومجموعة الكتب المعتبرة وحيا من عند الله , وهذا المعنى يجعلها تقترب من معنى الشريعة في اللغة العربية , وهي الطريقة المستقيمة , وأطلقت على الأحكام المنزلة من عند الله بإعتبارها الطريقة المستقيمة لحياتهم , وقد أستعمل لفظ القانون فى القواعد الملزمة التى تنظم سلوك الأشخاص في المجتمع , بإعتبار أن هذه القواعد يستقيم بها نظام حياتهم , على وتيرة واحدة ونظام ثابت معين , وبهذا المعنى , يقال القانون المدني أو القانون التجاري أو القانون الصناعي...ولم تكن القواعد التي تحكم سلوك الأشخاص في المجتمع , تعرف في البلاد العربية باسم القانون , وإنما لها مسميات آخرى , تدعى بالأحكام الشرعية أو بقواعد الفقه أوبأوامرالسلطان , أوالأمير, أوتعليمات ولي الأمر , وغير ذلك من المسميات , التي مع وجودها , لم تكن هناك حاجة الى تسمية القواعد بالقانون , يطلق لفظ القانون على القواعد الملزمةاالتي تصدرهاالسلطة التشريعية وتنظم بها سلوك الأشخاص في المجتمع,وهذا المعنى الخاص للقانون ,وبهذا المعنى يقال مثلاالقانون رقم49 لسنة 1977الخاص بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر .ويسمى القانون بمعناه الخاص.تشريعا,كذلك.وقد يوصف القانون بوصف يعطيه معنى معينا .فيقال القانون الوضعي, ويقصد به القانون الموضوع لجماعة معينة ,وهو يوضع بواسطة السلطة المختصة في الجماعة وبهذا يتميز عن القانون السماوي او الديني التي يقصد بها القوعد التي انزلها الله على رسله لتنظيم علاقة الانسان بربه وبنفسه وبغيره من الناس ,كما يتميز عن القانون الطبيعي ويقصد به في الغالب القواعد المثالية التي يمكن ان يستلهمها بعقله من يسن القانون الوضعي مما اودعه الله في الكون من سنن وعلاقات طبيعية, وقد يوصف القانون الوضعي باسم الاقليم الذي يطبق فيه فيقال مثلا القانون المصري أي القانون الذي يطبق في مصر .وقد يوصف القانون الوضعي باسم العلاقات التي ينظمها فيقال مثلا القانون التجاري , أي قانون التجار والمعاملات التجارية , وقد يوصف القانون الوضعي بطريقة وضعه فيقال القانون المكتوب أو المسطور أو المسنون وهو التشريع غالبا, والقانون غير المكتوب أو غير المسطور أو غير المسنون وهو العرف غالبا.
المطلب الأول:
القاعدة القانونية والمادة والنظام القانوني:
مما كان القانون عبارة عن قواعد ملزمة تنظم سلوك الأشخاص في المجتمع ,فان كل قاعدة من هذه القواعد تسمى قاعدة قانونية. والقاعدة القانونية اذا صيغت في شكل تشريعي مكتوب فانها توضع في شكل نص يسمى بالمادة.فالقانون المدني المصري الحالي مثلا تشريع مكتوب يحتوي على 1149مادة.وقد تصاغ في فقرة واحدة .كالمادة الأولى من قانون التجارة التي وردت صياغتها كالآتيمادة 01:كل من اشتغل بالمعاملات التجارية واتخذها حرفة معتادة له فهو تاجر).وقد تصاغ المادة في اكثر من فقرة ,وذلك كالمادة الأولى من القانون المدني وتنص على انه مادة 01.(1)تسرى النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها 0فاذا لم يوجد نص تشريعى يمكن تطبيقه,حكم القاضي بمقتضى العرف .فاذا لم يوجد,فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية ,فاذا لم توجد,فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ويرمز للمادة بحرف (م).ومعنى م01 أي المادة رقم 1,ومعنى م1/1 أي المادة رقم 1 الفقرة رقم 1, وقد تنظم عدة قواعد قانونية مجموعة متجانسة من الروابط الاجتماعية كروابط الأسرة مثلا او روابط المال او الروابط التي تقوم بين الشركات ...,وعندئذ يطلق على مجموع هذه القواعد القانونية المتجانسة *النظام القانوني*.(1)فالنظام القانوني للاسرة يشمل قواعد الزواج والطلاق وحقوق الزوجين وحقوق الأولادوالميراث..الخ.والنظام القانوني للملكية يشمل القواعد التي تنظم اسباب اكتساب الملكية وحقوق الملك والقيود الواردة عليها..الخ.والنظام القانوني للشركات يشمل القواعد التي تنظم انشاء هذه الشركات وحقوق الشركاء وحل المنازعات بين هذه الشركات وطرق انقضائها...الخ.
خلاصة القول ان القاعدة القانونية وحدة من وحدات القانون ,وهي توضع في نص يسمى بالمادة اذا صدر بها تشريع مكتوب.اما النظام القانوني فهو مجموعة القواعد النبين خصائص القاعدة القانونية حتى نميزها عن غيرها من القواعد السلوكية, وينبغي الإشارة في البداية أن الفقه قدم العديد من الخصائص للتمييز بين القاعدة القانونية وغيرها من القواعد , وهذا يدل على سعة مجال التمييز, غير أن كثيرا من الخصائص إستبعدناها لعدم صحتها على سبيل الإطلاق وقلة فائدتها.
ومن الخصائص التي تم إستبعادها خاصية (التحديد) , فقيل أن القاعدة القانونية محددة دقيقة, لاتثير صعوبة فى معرفتها وتفسيرها وتطبيقها, غير أن ذلك الوصف إذا كان يصدق بالنسبة لبعض القواعد القانونية فإنه لايكون كذلك بالنسبة لقواعد آخرى , ذلك أن كثيرا من القواعد القانونية لايزال يعتريها الإبهام والغموض, وأن كثيرا من المصطلحات والألفاظ والمفاهيم القانونية الواردة في التشريع ماتقبل تفسيرات مختلفة يناط بالسلطة القضائية أمر الكشف عن مدلولها ومقصدها بالإستنارة برأى رجال الفقه , كما أن مقتضيات الصياغة القانونية تستوجب أحيانا وضع القاعدة القانونية بأسلوب مطلق مرن, واسع النطاق غير محدد المجال, ليعطي المشرع سلطة تقديرية للجهة المنوط بها تطبيق النص, وهذا أمر طبيعي طالما نحن فى دائرة العلوم الإنسانية وليس العلوم الدقيقة.
ولقد إستبعد الفقه أيضا خاصية (نطاق القاعدة القانونية) إذ ذهب البعض الى القول أن قواعد القانون تهتم بتنظيم السلوك الماد و الخارجي للإنسان دون الإعتداد بالنية والوسائل الباطنية وهذا كلام إن كان ينطبق على كثير من القواعد القانونية , فإنه لاينطبق على قواعد آخرى , إذ القانون يعتد أحيانا بمسألة النية خاصة فى المجال الجنائي, لذلك قسمت اقانونية التي تنظم مجموعة متجانسة من الروابط الاجتماعية .
المطلب الثاني:
علوم القانون وخصائصه: يقتضى الأمر بعد أن أبرزنا أهمية القانون ومفهومه, أن لجرائم الى جرائم عمدية وآخرى غير عمدية بالنظر الى القصد.
*المبحث الثاني: *القانون قواعد تنظم سلوك المجتمع :القانون قواعد تنظم سلوك الاشخاص في المجتمع فهو عبارة عن قواعد ,وكل قاعدة عامة ومجردة ,والقانون قواعد تخاطب الأشخاص فهو خطاب للأشخاص , وهو يخاطب الأشخاص لينظم سلوكهم فهو منظم لسلوك الاشخاص ,وهو يقتصر في الاصل على تنظيم الاشخاص في المجتمع فحسب وبالتالي فهو قواعد اجتماعية .ونتناول تفصيل ذلك فيما يلي /
_القانون قواعد: يتكون القانون من قواعد .والقاعدة امر كلي ينطبق على جميع جزئياته ,وذلك لأنها عامة ومجردة أي ينصرف مضمونها الى كل ما تحويه مجردا عن الصفات والشروط الخاصة ومضمون القاعدة القانونية عبارة عن فرض وحكم مثلا تنص المادة 163مدني على ان كل من ارتكب خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض فالفرض هو ارتكاب خطأسبب ضررا ,والحكم هو الزام المخطئ بالتعويض ...والقاعدة القانونية كغيرها من القواعد عامة ومجردة .
ومعنى تجريد القاعدة القانونية ان يصوغ واضع القانون القاعدة بحيث يخلو الفرض تتناوله من الصفات والشروط الخاصة التي قد تقصر تطبيقها على شخص معين بذاته او على واقعة محددة بعينها .فمثلا نصت المادة 311من قانون العقوبات على ان (كل من اختلس منقولا مملوكا لغيره فهو سارق )وضعت قاعدة مجردة تسري على كل من يأخذ منقولا مملوكا لغيره بغير اذنه بنية تملكه,واعتبرت كل من يرتكب هذا الفعل سارقا سواء كان رجلا او امراة ,صغيرا او كبيرا ,عاملا او عاطلا ,غنيا او فقيرا ,مسلما او غير مسلم ...الخ.فقد جرد واضع القانونهذه القاعدة من كل هذه الصفات وامثالها التي قد تقصرتطبيقها على شخص معين ,كذلك اعتبرت الشخص سارقا ايا كان المنقول الذي سرقه ,أي سواء سرق كتابا او حليا او طيرا اوحيوانا اونقودا...الخ.وبالتالي جرد المنقول محل السرقة من كافة الأوصاف والشروط التيقد تقصر تطبيقها على واقعة معينة .وعندما يضع القانون قاعدة للقيد في السجل التجاري او لصرف ترخيص بناء او صرف ترخيص مصنع فانه يقضي بالقيد في السجل او صرف الترخيص لمن يقدم المستندات المقررة,ولكل من استوفى متجره او مصنعه او مبناه الشروط المقررة بصرف النظرعن شخص صاحب المستندات او شكل المتجر او البناء او المصنع ...وهكذا تتجرد القاعدة القانونية من صفات كثيرة لتقتصر على حكم معين وارد فيها .
ويجب ان تكون القاعدة القانونية عامة,ويقصد بعموم القاعدة القانونية ان يسري الحكم الوارد بها على جميع الأشخاص المخاطبين بها وعلى جميع الوقائع التي ترد بمضمونها .
فالقاعدة القانونية تسري على جميع الأشخاص المخاطبين بحكمها .ولا يعني عموم القاعدة القانونية هنا انها تسري على كل الناس او على كل شخص في المجتمع .بل يكفي ان تنصرف الى طائفة من الاشخاص تخاطبهم بصفاتهم لابذواتهم ,فالقاعدة التي تخاطب السارق لاتسري الا على من انطبق عليه وصف السرقة,وقوانين العمال او المهندسين اة التجار او الأطباء او القضاة لا تسري الا على من انطبق عليه وصف العامل او المهندس او التاجر او الطبيب او القاضي بحسب الأحوال .وقد تسري القاعدة القانونية على شخص واحد وتعتبر _مع ذلك_عامة كالقوانين التي تنظم سلطة رئيس الوزراء او شيخ الأزهر ,لأن هذه القوانين تحدد هؤلاء الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم فتسري على كل من من تتوافر فيه هذه الصفات..وواضع القانون عندما يجعل القاعدة القانونية عامة ومجردة فانه يضمنها الصفات والشروط اللازمة لانطباقهاعلى جميع المخاطبين بحكمها وعلى جميع الوقائع التي ترد بمضمونها,وذلك بحسب الوضع الغالب عند الناس ,فالغالب عند الناس مثلا ان من يحوز شيئا يعتبر مالكا له ولهذا نص القانون على ان من كان حائزا للحق اعتبر صاحبه ,حتى يقوم الدليل على العكس ,(م 964مدني)على ان مراعاة الوضع الغالب عند الناس قد لا يحقق العدالة ,فهناك من يحوزمنقولا وهو غير مالك له كالسارق ,اويحوز عقارا وهو غير مالك له كالمستأجر,كذلك يغلب على من بلغ سن الحاديةوالعشرين ان يكون عاقلا رشيدا,وهنا نجد قاعدة قانونية تنص على ان سن الرشد هي احدى وعشرون سنة ميلادية كاملة,وسنرى ان من بلغ الرشد عاقلا له ان يجري كافة التصرفات القانونية ,وبديهي ان القاعدة سالفة الذكر ,لا تحقق العدالة , لأن هناك من الأشخاص من يبلغ رشده قبل هذه السن ولكن القانون يحرمه من مباشرة بعض التصرفات دون نائب عنه كبيع منزل عنده او التبرع بمتاع لديه وهناك من الاشخاص من لا يبلغ رشده لعة حتى بعد تجاوز الواحد والعشرين,ولكن القانون يسمح له عند بلوغ الواحد والعشرون بمباشرة كافة التصرفات القانونية ,مما يؤدي الى الاضطرار به.ومن الواضح ان تحديد سن الرشد على هذا النحو باحدى وعشرون سنة م يحقق المساواة بين الناس ولكنه لا يحقق العدالة,ويعلل معظم فقهاء القانون هذا الحكم وامثاله بان واضع القانون يضحي –عند مراعاة الوضع الغالب عند الناس وتجريد القاعدة وتعميمها-ببعض إعتبارات العدالة في سبيل إستقرار المعاملات بين الناس لأنه إذا لم يحدد واضع القانون سنا معينا للرشد يتحير الناس فيمن يتعاملون معه.ولو لم يجعل القانون الحيازة قرينة على الملكية لسعي كل من يشتري رغيفامثلا الى البحث عن دليل لاثبات ملكيته له ,غير مجرد الحيازة,وفي هذا من العنت ما لايخفى,ولهذا تبنى الاحكام على الغالب والظاهر من امور الناس,ام النادر فلا حكم له.
المطلب الأول:
القانون خطاب للاشخاص:
يخاطب القانون الاشخاص,والاشخاص في اصطلاح القانون نوعان,اشخاص طبيعيون وهم البشر,واشخاص إعتباريون وهم الشركات والمؤسسات.والشخص الاعتباري كيان معنوي لا يعقل خطاب القانون.ولكن ينوب عنه شخص طبيعي كالمدير للشركة او رئيس مجلس ادارة المؤسسة,وبالتالي فإن خطاب القانون للشخص الاعتباري معناه مخاطبة نائبه من الاشخاص الطبيعية,وهكذا يمكن القول ان القانون خطاب للبشر, بطريق مباشر إذا خاطب اشخاصا طبيعيين او بطريق غير مباشر إذا خاطب أشخاصا اعتباريين.
فمثلاتنص المادة 3من القانون المدني على ان تحسب المواعيد بالتقويم الميلادي مالم ينص القنون على غير ذلك.وهذه المادة خطاب للبشر يلزمهم بالعمل بمقتضاه,وتنص المادة 74من القانون المدني على ان (للدولة حق الرقابة على المؤسسات )وهذه المادة تخاطب نواب الدولة وعمالها ونواب المؤسسات وعمالها بان يكون للفئة الاولى حق الرقابة على الفئة الثانية...وهكذا.والشخص الذي يخاطبه القانون تشترط فيه اهلية خاصة,فالمجنون والصبي غير المميز مثلا لايخاطبهما القانون,كما يخاطب القائمين على امورهما,كما يخاطب البالغ العاقل الرشيد وقد يخاطب الصبي المميز...وهكذا.
ولا يخاطب القانون غير الاشخاص ,فالقاعدة القانونية التي تحدد مواصفات الخبزاو الحلوى او السلع الاخرى إنما تخاطب صانعي هذه السلع والمسؤولين عن تداولها وتلزمهم بمراعاة هذه المواصفات والقاعدة القنونية التي تقرر ان (الطلاق المقترن بعدد لفظا اوإشارة لا يقع الا واحدة,انما تخاطب المطلقين الذين يحلفون بالطلاق ثلاثا او باي عدد سواء بينواهذا العدد باللفظ او بالإشارة,كما تخاطب هذه القاعدة مطلقاتهم وتخاطب القاضي إذا عرض عليه النزاع.
-القانون منظم لسلوك الاشخاص-
عرفنا ان القانون خطاب للاشخاص,وهذاالخطاب ينظم سلوكهم ببيان حقوق كل منهم وواحباته وحقوق المجتمع,فمثلا إذا اراد شخص ان يتزوج,فان القانون ينظم سلوكه فيبين له احكام الخطبة وشروط الزواج وموانعه وحقوق الزوج على زوجته وحقوق الزوجة على زوجها وحقوق الاولاد على ابيهم...الخ.واذا باع شخص لاخر شيئا,فان القانون يبين حقوق البائع وواجباته وحقوق المشتري وواجباته.وحقوق المجتمع التي يجب ان يراعيها كل من البئع والمشتري,وإذا التحق شجص بعمل في الدولةنظم القانون سلوكه فبين حقوقه وواجباته نحو الدولة وواجباتها نحوه...الخ
والقانون في تنظيمه لسلوك الاشخاص يامرهم اوينهاهم اويبيح لهم امرا ما,ويستفاد ذلك من نصوصه صراحة او ضمنا.فمثلا تنص المادة 148/ 1مدني على انه (يجب تنفيذ العقد طبقا لما إشتمل عليه وبطريقة تتفق مع مايوجبه حسن النية)وفي هذا النص امر صريح بوجوب تنفيذ العقود بحسن النية وتنص المادة 71تجاري على انه,لايسوغ فتح أي بورصةللتجار بدون تصريح من الحكومة وكل بورصة تفتح بغير هذا التصريح تقفل بالطرق الادارية,وفي هذا النص نهي صريح عن فتح أي بورصة بدون تصريح من الحكومة.وتنص المادة 66تجاري على ان (السمسرة حرفة مباحة)وهذا النص يصرح بإباحة الاشتغال بالسمسرة...وتنص المادة 16من المرسوم25سنة 1929على ان(تقدر نفقة الزوجة على زوجهابحسب حال الزوج يسرا اوعسرا مهما كانت حالة الزوجة)وهذا النص يستفاد منه ضمنا امر للازواج بالانفاق على زوجاتهم بحسب حالهم وامرللقاضي بتقدير النفقة الزوجية على النحو الوارد به.
وتنص المادة338قانون العقوبات على ان يحكم بالحبس والغرامة المبينة بالمادة 336قانون العقوبات على (كل من اعطى بسوء نية شيكا لايقابله رصيد قائم وقابل للسحب او كان الرصيد اقل قيمة الشيك او سحب بعد إعطاءالشيك كل الرصيداو بعضه بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك اوامر المسحوب عليه بعدم الدفع,فهذا النص مماينظم سلوك الاشخاص الذين يعطون شيكات وينهاهم ضمنا عن كل الامور التي وضع عقوبة على إرتكابها.وتنص المادة 448مدني على انه(لايضمن البائع عيبا جرى العرف على التسامح فيه)ويستفاد من هذا النص ضمنا إباحة بيع سلعة معينة بعيوب جرى العرف على التسامح فيها كبيع قفص من البرتقال وفيه ثلاث برتقالات فاسدة او بيع منزل وبه نافذتان زجاجهما مكسور.فمثل هذه العيوب مما جرى العرف على التسامح فيها.ومن الملاحظ ان سلوك الاشخاص قد يتفق مع القانون وقد يختلف معه,وبالتالي تجد القانون في تنظيمه لسلوك الاشخاص في المجتمع يفرض عليهم ماينبغي ان يكون عليه سلوكهم سواء كان هذا التنظيم متفقا مع سلوكهم في الواقع اومختلفا عنه.فالقانون الذي ندرسه(قاعدة سلوك) تأمر أو تنهي أو تبيح أمرا ما لتوجيه سلوك الاشخاص في المجتمع نحو النظام الذي يرتضيه واضعوا القانون,وقد يقع من الاشخاص ما يخالف أوامر القانون أو نواهيه.وبهذه الخصيصة يفترق القانون الذي ندرسهعن القوانين التي تحكم سنن الكون كقانون الجاذبية الارضية مثلا,لان هذه القوانين الاخيرة تكشف عما هو كائن لا ماينبغي ان يكون,كماأنها تقررأمرا واقعا لاتوجه به سلوكا ولا يقع في الطبيعة ما يخالفه. والقاعدة القانونية وهي تنظم سلوك الاشخاص,قد تتجه الى التنظيم مباشرة,كالقاعدة التي توجب تنفيذ العقد طبقا لما إشتمل عليه وبطريقة تتفق مع حسن النية,والقاعدة التي تعاقب على القتل او السرقة وقد تتجه القاعدة إلى تنظيم سلوك الاشخاص بطريق غير مباشر,كالقاعدة التي تعرف العقد وتبين شروط إنعقاده وشروط صحته,او القاعدة التي تتحدد شروط القتل أو السرقة المعاقب عليها أو كيفية ضبط الجريمة أو تنفيذ العقوبة.ويمكن أن نستعير هنا تعبير أصول الفقه الاسلامي للتمييز بين هذين النوعين من القواعد فنسمي القواعد التي تنظم سلوك الاشخاص بطريق مباشر(قواعد تكليفية)ونسمي القواعد التي تنظم سلوكهم بطريق غير مباشر(قواعد تشريعية وضعية)أو قواعد(معاونة للتكليف).
مقـــــدمة
الفصل الأول:ماهية القانون وبيان خصائصه
* المبحث الأول: تعريف القانون
المطلب الأول:القاعدة القانونية و النظام القانوني
المطلب الثاني:علوم القانون و خصائصه
* المبحث الثاني: القانون قواعد تنظم سلوك الأفراد داخل المجتمع
المطلب الأول: القانون خطاب للأشخاص
المطلب الثاني: القانون قواعد اجتماعية
*المبحث الثالث:أنواع وخصائص القاعدة القانونية
المطلب الأول: أنواع القاعدة القانونية
المطلب الثاني: خصائص القاعدة القانونية
الفصل الثاني: الأشخاص المخاطبين بحكم القانون
*المبحث الأول: نظرية الشخصية القانونية
* المبحث الثاني: التعريف بالشخص الطبيعي وذمته المالية
* المبحث الثالث: التعريف بالشخص الاعتباري وذمته المالية
الفصل: الثالث: نطاق تطبيق القانون على الأشخاص
*المبحث الأول: مبدأ عدم جواز الاعتذاربجهل القانون
المطلب الأول:مضمون مبدأ عدم جواز الاعتذاربجهل القانون
المطلب الثاني: أساس مبدأ امتناع الاعتذاربجهل القانون
* المبحث الثاني: نطاق مبدأ امتناع الاعتذاربجهل القانون
* المبحث الثالث: الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ
المطلب الأول:القوة القاهرة
المطلب الثاني: الغلط
المطلب الثالث:الجهل بتشريع غير جنائي يتوقف عليه تقرير المسؤولية الجنائية
المطلب الرابع:جهل الأجنبي بأحكام الدولة التي نزل بها
خاتمة
قائمة المراجع
-د. محمد سعيد جعفور/مدخل الى العلوم القانونية = الوجيز في نظرية القانون=
- دار هومة- طبعة2004
-د.عبد الناصر توفيق العطار /مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة الاسلامية , - مطبعة السعادة مصر .دون تاريخ -
-د. عمار بوضياف / المدخل للعلوم القانونية .
- دار ريحانة / ط.2000-
- محمد محي الدين , مـحاضرات في القـانون الدولي العام / *ط.ديوان المطبوعات الجامعية 1987 *
- الدكتورة/هجيرة دنوني, موجز المدخل للقانون الجزائر.
- منشورات دحلب -
- د.حبيب ابراهيم الخليلي. المدخل الى العلوم القانونية .
- ط.ديوان المطبوعات الجامع
*مــقدمــة*
عندما ينظر الإنسان إلى نفسه وما حوله ويتأمل ... من خــلق السموات والأرض وما بينهما ؟ من ذا الذى يسيطر على حركة الشمس والقمر والكواكب والنجوم ؟ من ذا الذي أعطى الطير قدرة على الطيران في الهواء وأعـطى السمك قدرة العيش في الماء ؟ من الذي خلق في جسم الإنسان وفى كل كائن حي أجهزة دقيقة دموية وهضمية وتنفسية وتناسلية...؟ من ذا الذي ينبت الزرع ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي...؟ عندما يتفكرالانسان على هذا النحو في ملكوت السموات والأرض وما بينهما وما عليه من نظام ودقة متناهية يدرك أن خالق ذلك كله ومنظمه ومـدبره هو من نطقت جميع الألسنة بإسمه , هو الله تبارك وتعالى, ولا يلبث الإنسان أن يحس بحاجته إلى إيجاد صلة له بالله عز وجل , وهنا نجد الدين يعطيه القواعد التي توجد هذه الصلة وتنظمها , فيبين له كيف يصلي أو يصوم أو يزكي أو يحج... وكيف يستعين بالله ويستهديه ويخشاه ويتوكل عليه , والإنسان الذي يقطع صلته بالله يعيش ضائعا مهما حقق من رغباته , وأشبع من حاجاته حتى يأتيه الموت وعندئذ يترك كل ما عنده , وكل ما حوله, فهل ترك هملا أو خلق عبثا ؟ لا يعقل أن يضع الخالق في الكون هذا النظام المحكم والموازين الدقيقة لكل شيء فيه ثم يترك حياة الإنسان سدى بلا نظام , ولا ميزان فـيظلم قويـهم ضعيفهم ويكيد خبيثهم لطيبهم , دون أن يحدد لهم موعدا للحساب ؟ وليس بعث الإنسان بعد موته بأمر مستحيل , فمن خلق الإنسان قادر على إعادة خلقه والدليل المادي على ذلك أن الإنسان بعد موته يصير إلى تراب , يختلط بغيره من تراب الأرض , وإذا نظرت إلى الأرض كيف ينبت الله منها نباتا فيه من كل زوج بهيج أدركت أن الذي أخرج منها هذا النبات الحي قادر على أن يخرج منها الموتى أحياء ليوم الحساب , ولهذا تجمع كل الأديان السماوية على أنه لابد من جزاء هو الجنة أو النار, كذلك يجد الإنسان أنه بحاجة إلى تنظيم سلوكه مع نفسه , كيف يبدو نظيفا طاهرا وكـيف يأكل ويشـرب وينام ....ألا ترى مثلا أن من يهمل نظافة جسده يبدو قبيح المنظر , نـتن الرائحة ولا يلبث أن يكـون بؤرة لبعض الحشرات , وقد يصيبه الجـرب أو غـيره من الأمراض , ولو ذهب إلى الناس لأحتقروه وفروا من مصــاحبته وقد يعزله الحاكم في مصحة ..الخ , لهذا في قواعد الدين الإسـلامي وفي قواعـد بعض الأديان الآخرى وفي عرف الناس وآدابهم ما ينظم سلوك الشخص مع نفسه , ولا غنى للإنسان عن الحياة في جماعة , فقد خلق الله الإنسان وقسم له أن يجعله خليفة في الأرض إلى حين , ولم يشأ جلت حكمته أن يتركه وحيدا بين مخلوقاته الآخرى , بل خلق له زوجة ورزقه منها بنين وبنات , ولا يسـتطيع الإنسان أن يعيش عمره منفردا , فهو في حاجة إلى غيره من بني الإنسان ليضمن إستمرار وجوده على الأرض بأن يتزوج وتكون له ذرية , وليتبادل مع غـيره خيـرات الأرض , فيقايض , ويبيع , ويشتري , يرهن , ويستأجر, ويستعير, وهو الى
جانب تكوينه أسرة , يكون عشيرة أو قبيلة أو جمعية أو حزبا , أو شعبا , أو دولة , أو
أمة ...هكذا تنشأ في حياة الجماعة علاقات بين الأفراد عائلية , أو مالية , أوسـياسية , أوغيرذلـك من العــلاقات التي تحقق للإنسان رغباته وتقضي حاجاته... والإنسان وهو يسعى إلى الحصول على مطالبه وإشباع حاجاته , قد تتعارض مصالحه مع مصالح غيره من الناس , ولو ترك لكل شخص أمر تنظيم علاقاته مع غيره من الأشخاص لتداخلت الأهواء , ولكثر النزاع ولأصبحت الغلبة للأقوى فـتسود الفوضى ويختل النظام , ولهذا أدرك الإنسان حاجته إلى قواعد تنظم سـلوكه في المجتمع يكون معظمها جزاء مادي دنيوي , تطبقه السلطة العليا في الجماعة , حتى يكون زاجرا لكل من تسول له نفسه أن يعبث بمصالح الآخرين , أو يخل بالنظام , هذه القواعد قد يجدها في أوامر الدين و نواهيه أو في عرف الناس أو فيما يأمر أو ينهي عنه رئيس الجماعة أو حاكمها , من هذا المنطلق سنتناول في عملنا المتعلق بنطاق تطبيق القانون على الأشخاص , محاولين التعرض إلى النقاط التي يمكننا إدراجها في هذه المذكرة , والتي تدور في نفس الإتجاه .
حيث قسمنا بحثنا الى ثلاثة فصول , الفصل الأول يتناول ماهية القانون و بيان خصائصه وأنواع القاعدة القانونية , وفي الفصل الثاني نتطرق الى الأشخاص المخاطبين بحكم القانون , فيما خصصنا الفصل الثالث الى نطاق تطبيق القانون على الاشخاص.
الفصــــل الأول
*ماهية القانون وبيان خصائصه............................................ ...07
* المبحث الأول: تعريف القانون........................................... .......07
* المبحث الثاني: القانون قواعد تنظم سلوك الأفراد داخل المجتمع.................08
*المبحث الثالث:أنواع وخصائص القاعدة القانونية................................14
الفصل الأول:
ماهية القانون وبيان خصائصه:
الإنسان إجتماعي بطبعه لايستطيع أن يعايش ظروف الحياة بمفرده وإنما يجب أن ينخرط ضمن جماعة من الناس وهذا مايوجب بالضرورة دخول الإنسان الفرد مع الجماعة التي يعيش فيها و معها في علاقات ومعاملات عديدة يستطيع من خلالها إشباع حاجاته.
إلا أن قيام مثل هذه العلاقات بين الإنسان الفرد مع الجماعة وأفراده, يؤدي إلى قيام التعارض بين مصلحته كفرد ومصلحة الآخرين, هذا لتعارض من شانه أن يخلق الفوضى و الاضطراب في المجتمع , و من ثم كان من الواجب وضع تنظيم للعلاقات التي يجريها الإنسان الفرد مع غيره, وذلك رغبة في إيجاد نوع من التوازن بين المصالح المتعارضة في حياة الفرد داخل المجتمع.
وتنظيم هذه العلاقات لايكون إلا من خلال وضع القواعد القانونية الملزمة لتحديد حقوق الأفراد قبل الجماعة التي يعيشون فيها قبل بعضهم البعض , وكذلك تحديد الواجبات التي تلقى على عاتق كل واحد منهم لصالح الجماعة أو لصالح الأفراد الآخرين ولتحديد ضوابط سلوك كل فرد في علاقاته مع الجماعة أو افرادها, مع فرض الصفة الإلزامية للقواعد حتى يتعين على الأفراد احترامها والخضوع لها.
من هنا تبدو الحاجة الماسة للقانون , فهو الذي يقيم التوازن بين مصالح الافراد المتعارضة , او التوفيق بينها ممايؤدي الى الاستقرار في المجتمع وعدم الاضطراب في السلوك الاجتماعي للانسان , كل ذلك يؤدي الى صدق القول ان لاانسان اجتماعي بدون جماعة, ولا جماعة مستقرة و منظمة دون قانون .
المبحث الأول:
تعريف القانون: لفظ قانون ليس لفظا عربيا , وقد أستعمل في اللغة العربية بمعنى الأصل , فقانون الشيىء أصله , كما أستعمل بمعنى المقياس , فقانون الشيء مقياسه , وبهذا المعنى أستعمل في العلوم الطبيعية , فيقال قانون الطفو على الماء , وقانون الجاذبية الأرضية ...أي مقياس ذلك , وهوعلى هذا يعبر عن أمر إستقام على وتيرة واحدة ونظام ثابت معين , وعند اليونان (كانونkanun ) بمعنى العصى المستقيمة , ويستخدم هذا اللفظ مجازا , للتعبير عن القاعدة والقدوة والمبدأ , ومن الجائز أن تكون كلمة القانون عربت عن هذا الأصل اليوناني إلى اللغة اللاتينية بلفظ kanon ومن معانيه فيها , أنه القاعدة الخاصة بالعقيدة , أومجموعة الكتب المعتبرة وحيا من عند الله , وهذا المعنى يجعلها تقترب من معنى الشريعة في اللغة العربية , وهي الطريقة المستقيمة , وأطلقت على الأحكام المنزلة من عند الله بإعتبارها الطريقة المستقيمة لحياتهم , وقد أستعمل لفظ القانون فى القواعد الملزمة التى تنظم سلوك الأشخاص في المجتمع , بإعتبار أن هذه القواعد يستقيم بها نظام حياتهم , على وتيرة واحدة ونظام ثابت معين , وبهذا المعنى , يقال القانون المدني أو القانون التجاري أو القانون الصناعي...ولم تكن القواعد التي تحكم سلوك الأشخاص في المجتمع , تعرف في البلاد العربية باسم القانون , وإنما لها مسميات آخرى , تدعى بالأحكام الشرعية أو بقواعد الفقه أوبأوامرالسلطان , أوالأمير, أوتعليمات ولي الأمر , وغير ذلك من المسميات , التي مع وجودها , لم تكن هناك حاجة الى تسمية القواعد بالقانون , يطلق لفظ القانون على القواعد الملزمةاالتي تصدرهاالسلطة التشريعية وتنظم بها سلوك الأشخاص في المجتمع,وهذا المعنى الخاص للقانون ,وبهذا المعنى يقال مثلاالقانون رقم49 لسنة 1977الخاص بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر .ويسمى القانون بمعناه الخاص.تشريعا,كذلك.وقد يوصف القانون بوصف يعطيه معنى معينا .فيقال القانون الوضعي, ويقصد به القانون الموضوع لجماعة معينة ,وهو يوضع بواسطة السلطة المختصة في الجماعة وبهذا يتميز عن القانون السماوي او الديني التي يقصد بها القوعد التي انزلها الله على رسله لتنظيم علاقة الانسان بربه وبنفسه وبغيره من الناس ,كما يتميز عن القانون الطبيعي ويقصد به في الغالب القواعد المثالية التي يمكن ان يستلهمها بعقله من يسن القانون الوضعي مما اودعه الله في الكون من سنن وعلاقات طبيعية, وقد يوصف القانون الوضعي باسم الاقليم الذي يطبق فيه فيقال مثلا القانون المصري أي القانون الذي يطبق في مصر .وقد يوصف القانون الوضعي باسم العلاقات التي ينظمها فيقال مثلا القانون التجاري , أي قانون التجار والمعاملات التجارية , وقد يوصف القانون الوضعي بطريقة وضعه فيقال القانون المكتوب أو المسطور أو المسنون وهو التشريع غالبا, والقانون غير المكتوب أو غير المسطور أو غير المسنون وهو العرف غالبا.
المطلب الأول:
القاعدة القانونية والمادة والنظام القانوني:
مما كان القانون عبارة عن قواعد ملزمة تنظم سلوك الأشخاص في المجتمع ,فان كل قاعدة من هذه القواعد تسمى قاعدة قانونية. والقاعدة القانونية اذا صيغت في شكل تشريعي مكتوب فانها توضع في شكل نص يسمى بالمادة.فالقانون المدني المصري الحالي مثلا تشريع مكتوب يحتوي على 1149مادة.وقد تصاغ في فقرة واحدة .كالمادة الأولى من قانون التجارة التي وردت صياغتها كالآتيمادة 01:كل من اشتغل بالمعاملات التجارية واتخذها حرفة معتادة له فهو تاجر).وقد تصاغ المادة في اكثر من فقرة ,وذلك كالمادة الأولى من القانون المدني وتنص على انه مادة 01.(1)تسرى النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها 0فاذا لم يوجد نص تشريعى يمكن تطبيقه,حكم القاضي بمقتضى العرف .فاذا لم يوجد,فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية ,فاذا لم توجد,فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ويرمز للمادة بحرف (م).ومعنى م01 أي المادة رقم 1,ومعنى م1/1 أي المادة رقم 1 الفقرة رقم 1, وقد تنظم عدة قواعد قانونية مجموعة متجانسة من الروابط الاجتماعية كروابط الأسرة مثلا او روابط المال او الروابط التي تقوم بين الشركات ...,وعندئذ يطلق على مجموع هذه القواعد القانونية المتجانسة *النظام القانوني*.(1)فالنظام القانوني للاسرة يشمل قواعد الزواج والطلاق وحقوق الزوجين وحقوق الأولادوالميراث..الخ.والنظام القانوني للملكية يشمل القواعد التي تنظم اسباب اكتساب الملكية وحقوق الملك والقيود الواردة عليها..الخ.والنظام القانوني للشركات يشمل القواعد التي تنظم انشاء هذه الشركات وحقوق الشركاء وحل المنازعات بين هذه الشركات وطرق انقضائها...الخ.
خلاصة القول ان القاعدة القانونية وحدة من وحدات القانون ,وهي توضع في نص يسمى بالمادة اذا صدر بها تشريع مكتوب.اما النظام القانوني فهو مجموعة القواعد النبين خصائص القاعدة القانونية حتى نميزها عن غيرها من القواعد السلوكية, وينبغي الإشارة في البداية أن الفقه قدم العديد من الخصائص للتمييز بين القاعدة القانونية وغيرها من القواعد , وهذا يدل على سعة مجال التمييز, غير أن كثيرا من الخصائص إستبعدناها لعدم صحتها على سبيل الإطلاق وقلة فائدتها.
ومن الخصائص التي تم إستبعادها خاصية (التحديد) , فقيل أن القاعدة القانونية محددة دقيقة, لاتثير صعوبة فى معرفتها وتفسيرها وتطبيقها, غير أن ذلك الوصف إذا كان يصدق بالنسبة لبعض القواعد القانونية فإنه لايكون كذلك بالنسبة لقواعد آخرى , ذلك أن كثيرا من القواعد القانونية لايزال يعتريها الإبهام والغموض, وأن كثيرا من المصطلحات والألفاظ والمفاهيم القانونية الواردة في التشريع ماتقبل تفسيرات مختلفة يناط بالسلطة القضائية أمر الكشف عن مدلولها ومقصدها بالإستنارة برأى رجال الفقه , كما أن مقتضيات الصياغة القانونية تستوجب أحيانا وضع القاعدة القانونية بأسلوب مطلق مرن, واسع النطاق غير محدد المجال, ليعطي المشرع سلطة تقديرية للجهة المنوط بها تطبيق النص, وهذا أمر طبيعي طالما نحن فى دائرة العلوم الإنسانية وليس العلوم الدقيقة.
ولقد إستبعد الفقه أيضا خاصية (نطاق القاعدة القانونية) إذ ذهب البعض الى القول أن قواعد القانون تهتم بتنظيم السلوك الماد و الخارجي للإنسان دون الإعتداد بالنية والوسائل الباطنية وهذا كلام إن كان ينطبق على كثير من القواعد القانونية , فإنه لاينطبق على قواعد آخرى , إذ القانون يعتد أحيانا بمسألة النية خاصة فى المجال الجنائي, لذلك قسمت اقانونية التي تنظم مجموعة متجانسة من الروابط الاجتماعية .
المطلب الثاني:
علوم القانون وخصائصه: يقتضى الأمر بعد أن أبرزنا أهمية القانون ومفهومه, أن لجرائم الى جرائم عمدية وآخرى غير عمدية بالنظر الى القصد.
*المبحث الثاني: *القانون قواعد تنظم سلوك المجتمع :القانون قواعد تنظم سلوك الاشخاص في المجتمع فهو عبارة عن قواعد ,وكل قاعدة عامة ومجردة ,والقانون قواعد تخاطب الأشخاص فهو خطاب للأشخاص , وهو يخاطب الأشخاص لينظم سلوكهم فهو منظم لسلوك الاشخاص ,وهو يقتصر في الاصل على تنظيم الاشخاص في المجتمع فحسب وبالتالي فهو قواعد اجتماعية .ونتناول تفصيل ذلك فيما يلي /
_القانون قواعد: يتكون القانون من قواعد .والقاعدة امر كلي ينطبق على جميع جزئياته ,وذلك لأنها عامة ومجردة أي ينصرف مضمونها الى كل ما تحويه مجردا عن الصفات والشروط الخاصة ومضمون القاعدة القانونية عبارة عن فرض وحكم مثلا تنص المادة 163مدني على ان كل من ارتكب خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض فالفرض هو ارتكاب خطأسبب ضررا ,والحكم هو الزام المخطئ بالتعويض ...والقاعدة القانونية كغيرها من القواعد عامة ومجردة .
ومعنى تجريد القاعدة القانونية ان يصوغ واضع القانون القاعدة بحيث يخلو الفرض تتناوله من الصفات والشروط الخاصة التي قد تقصر تطبيقها على شخص معين بذاته او على واقعة محددة بعينها .فمثلا نصت المادة 311من قانون العقوبات على ان (كل من اختلس منقولا مملوكا لغيره فهو سارق )وضعت قاعدة مجردة تسري على كل من يأخذ منقولا مملوكا لغيره بغير اذنه بنية تملكه,واعتبرت كل من يرتكب هذا الفعل سارقا سواء كان رجلا او امراة ,صغيرا او كبيرا ,عاملا او عاطلا ,غنيا او فقيرا ,مسلما او غير مسلم ...الخ.فقد جرد واضع القانونهذه القاعدة من كل هذه الصفات وامثالها التي قد تقصرتطبيقها على شخص معين ,كذلك اعتبرت الشخص سارقا ايا كان المنقول الذي سرقه ,أي سواء سرق كتابا او حليا او طيرا اوحيوانا اونقودا...الخ.وبالتالي جرد المنقول محل السرقة من كافة الأوصاف والشروط التيقد تقصر تطبيقها على واقعة معينة .وعندما يضع القانون قاعدة للقيد في السجل التجاري او لصرف ترخيص بناء او صرف ترخيص مصنع فانه يقضي بالقيد في السجل او صرف الترخيص لمن يقدم المستندات المقررة,ولكل من استوفى متجره او مصنعه او مبناه الشروط المقررة بصرف النظرعن شخص صاحب المستندات او شكل المتجر او البناء او المصنع ...وهكذا تتجرد القاعدة القانونية من صفات كثيرة لتقتصر على حكم معين وارد فيها .
ويجب ان تكون القاعدة القانونية عامة,ويقصد بعموم القاعدة القانونية ان يسري الحكم الوارد بها على جميع الأشخاص المخاطبين بها وعلى جميع الوقائع التي ترد بمضمونها .
فالقاعدة القانونية تسري على جميع الأشخاص المخاطبين بحكمها .ولا يعني عموم القاعدة القانونية هنا انها تسري على كل الناس او على كل شخص في المجتمع .بل يكفي ان تنصرف الى طائفة من الاشخاص تخاطبهم بصفاتهم لابذواتهم ,فالقاعدة التي تخاطب السارق لاتسري الا على من انطبق عليه وصف السرقة,وقوانين العمال او المهندسين اة التجار او الأطباء او القضاة لا تسري الا على من انطبق عليه وصف العامل او المهندس او التاجر او الطبيب او القاضي بحسب الأحوال .وقد تسري القاعدة القانونية على شخص واحد وتعتبر _مع ذلك_عامة كالقوانين التي تنظم سلطة رئيس الوزراء او شيخ الأزهر ,لأن هذه القوانين تحدد هؤلاء الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم فتسري على كل من من تتوافر فيه هذه الصفات..وواضع القانون عندما يجعل القاعدة القانونية عامة ومجردة فانه يضمنها الصفات والشروط اللازمة لانطباقهاعلى جميع المخاطبين بحكمها وعلى جميع الوقائع التي ترد بمضمونها,وذلك بحسب الوضع الغالب عند الناس ,فالغالب عند الناس مثلا ان من يحوز شيئا يعتبر مالكا له ولهذا نص القانون على ان من كان حائزا للحق اعتبر صاحبه ,حتى يقوم الدليل على العكس ,(م 964مدني)على ان مراعاة الوضع الغالب عند الناس قد لا يحقق العدالة ,فهناك من يحوزمنقولا وهو غير مالك له كالسارق ,اويحوز عقارا وهو غير مالك له كالمستأجر,كذلك يغلب على من بلغ سن الحاديةوالعشرين ان يكون عاقلا رشيدا,وهنا نجد قاعدة قانونية تنص على ان سن الرشد هي احدى وعشرون سنة ميلادية كاملة,وسنرى ان من بلغ الرشد عاقلا له ان يجري كافة التصرفات القانونية ,وبديهي ان القاعدة سالفة الذكر ,لا تحقق العدالة , لأن هناك من الأشخاص من يبلغ رشده قبل هذه السن ولكن القانون يحرمه من مباشرة بعض التصرفات دون نائب عنه كبيع منزل عنده او التبرع بمتاع لديه وهناك من الاشخاص من لا يبلغ رشده لعة حتى بعد تجاوز الواحد والعشرين,ولكن القانون يسمح له عند بلوغ الواحد والعشرون بمباشرة كافة التصرفات القانونية ,مما يؤدي الى الاضطرار به.ومن الواضح ان تحديد سن الرشد على هذا النحو باحدى وعشرون سنة م يحقق المساواة بين الناس ولكنه لا يحقق العدالة,ويعلل معظم فقهاء القانون هذا الحكم وامثاله بان واضع القانون يضحي –عند مراعاة الوضع الغالب عند الناس وتجريد القاعدة وتعميمها-ببعض إعتبارات العدالة في سبيل إستقرار المعاملات بين الناس لأنه إذا لم يحدد واضع القانون سنا معينا للرشد يتحير الناس فيمن يتعاملون معه.ولو لم يجعل القانون الحيازة قرينة على الملكية لسعي كل من يشتري رغيفامثلا الى البحث عن دليل لاثبات ملكيته له ,غير مجرد الحيازة,وفي هذا من العنت ما لايخفى,ولهذا تبنى الاحكام على الغالب والظاهر من امور الناس,ام النادر فلا حكم له.
المطلب الأول:
القانون خطاب للاشخاص:
يخاطب القانون الاشخاص,والاشخاص في اصطلاح القانون نوعان,اشخاص طبيعيون وهم البشر,واشخاص إعتباريون وهم الشركات والمؤسسات.والشخص الاعتباري كيان معنوي لا يعقل خطاب القانون.ولكن ينوب عنه شخص طبيعي كالمدير للشركة او رئيس مجلس ادارة المؤسسة,وبالتالي فإن خطاب القانون للشخص الاعتباري معناه مخاطبة نائبه من الاشخاص الطبيعية,وهكذا يمكن القول ان القانون خطاب للبشر, بطريق مباشر إذا خاطب اشخاصا طبيعيين او بطريق غير مباشر إذا خاطب أشخاصا اعتباريين.
فمثلاتنص المادة 3من القانون المدني على ان تحسب المواعيد بالتقويم الميلادي مالم ينص القنون على غير ذلك.وهذه المادة خطاب للبشر يلزمهم بالعمل بمقتضاه,وتنص المادة 74من القانون المدني على ان (للدولة حق الرقابة على المؤسسات )وهذه المادة تخاطب نواب الدولة وعمالها ونواب المؤسسات وعمالها بان يكون للفئة الاولى حق الرقابة على الفئة الثانية...وهكذا.والشخص الذي يخاطبه القانون تشترط فيه اهلية خاصة,فالمجنون والصبي غير المميز مثلا لايخاطبهما القانون,كما يخاطب القائمين على امورهما,كما يخاطب البالغ العاقل الرشيد وقد يخاطب الصبي المميز...وهكذا.
ولا يخاطب القانون غير الاشخاص ,فالقاعدة القانونية التي تحدد مواصفات الخبزاو الحلوى او السلع الاخرى إنما تخاطب صانعي هذه السلع والمسؤولين عن تداولها وتلزمهم بمراعاة هذه المواصفات والقاعدة القنونية التي تقرر ان (الطلاق المقترن بعدد لفظا اوإشارة لا يقع الا واحدة,انما تخاطب المطلقين الذين يحلفون بالطلاق ثلاثا او باي عدد سواء بينواهذا العدد باللفظ او بالإشارة,كما تخاطب هذه القاعدة مطلقاتهم وتخاطب القاضي إذا عرض عليه النزاع.
-القانون منظم لسلوك الاشخاص-
عرفنا ان القانون خطاب للاشخاص,وهذاالخطاب ينظم سلوكهم ببيان حقوق كل منهم وواحباته وحقوق المجتمع,فمثلا إذا اراد شخص ان يتزوج,فان القانون ينظم سلوكه فيبين له احكام الخطبة وشروط الزواج وموانعه وحقوق الزوج على زوجته وحقوق الزوجة على زوجها وحقوق الاولاد على ابيهم...الخ.واذا باع شخص لاخر شيئا,فان القانون يبين حقوق البائع وواجباته وحقوق المشتري وواجباته.وحقوق المجتمع التي يجب ان يراعيها كل من البئع والمشتري,وإذا التحق شجص بعمل في الدولةنظم القانون سلوكه فبين حقوقه وواجباته نحو الدولة وواجباتها نحوه...الخ
والقانون في تنظيمه لسلوك الاشخاص يامرهم اوينهاهم اويبيح لهم امرا ما,ويستفاد ذلك من نصوصه صراحة او ضمنا.فمثلا تنص المادة 148/ 1مدني على انه (يجب تنفيذ العقد طبقا لما إشتمل عليه وبطريقة تتفق مع مايوجبه حسن النية)وفي هذا النص امر صريح بوجوب تنفيذ العقود بحسن النية وتنص المادة 71تجاري على انه,لايسوغ فتح أي بورصةللتجار بدون تصريح من الحكومة وكل بورصة تفتح بغير هذا التصريح تقفل بالطرق الادارية,وفي هذا النص نهي صريح عن فتح أي بورصة بدون تصريح من الحكومة.وتنص المادة 66تجاري على ان (السمسرة حرفة مباحة)وهذا النص يصرح بإباحة الاشتغال بالسمسرة...وتنص المادة 16من المرسوم25سنة 1929على ان(تقدر نفقة الزوجة على زوجهابحسب حال الزوج يسرا اوعسرا مهما كانت حالة الزوجة)وهذا النص يستفاد منه ضمنا امر للازواج بالانفاق على زوجاتهم بحسب حالهم وامرللقاضي بتقدير النفقة الزوجية على النحو الوارد به.
وتنص المادة338قانون العقوبات على ان يحكم بالحبس والغرامة المبينة بالمادة 336قانون العقوبات على (كل من اعطى بسوء نية شيكا لايقابله رصيد قائم وقابل للسحب او كان الرصيد اقل قيمة الشيك او سحب بعد إعطاءالشيك كل الرصيداو بعضه بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك اوامر المسحوب عليه بعدم الدفع,فهذا النص مماينظم سلوك الاشخاص الذين يعطون شيكات وينهاهم ضمنا عن كل الامور التي وضع عقوبة على إرتكابها.وتنص المادة 448مدني على انه(لايضمن البائع عيبا جرى العرف على التسامح فيه)ويستفاد من هذا النص ضمنا إباحة بيع سلعة معينة بعيوب جرى العرف على التسامح فيها كبيع قفص من البرتقال وفيه ثلاث برتقالات فاسدة او بيع منزل وبه نافذتان زجاجهما مكسور.فمثل هذه العيوب مما جرى العرف على التسامح فيها.ومن الملاحظ ان سلوك الاشخاص قد يتفق مع القانون وقد يختلف معه,وبالتالي تجد القانون في تنظيمه لسلوك الاشخاص في المجتمع يفرض عليهم ماينبغي ان يكون عليه سلوكهم سواء كان هذا التنظيم متفقا مع سلوكهم في الواقع اومختلفا عنه.فالقانون الذي ندرسه(قاعدة سلوك) تأمر أو تنهي أو تبيح أمرا ما لتوجيه سلوك الاشخاص في المجتمع نحو النظام الذي يرتضيه واضعوا القانون,وقد يقع من الاشخاص ما يخالف أوامر القانون أو نواهيه.وبهذه الخصيصة يفترق القانون الذي ندرسهعن القوانين التي تحكم سنن الكون كقانون الجاذبية الارضية مثلا,لان هذه القوانين الاخيرة تكشف عما هو كائن لا ماينبغي ان يكون,كماأنها تقررأمرا واقعا لاتوجه به سلوكا ولا يقع في الطبيعة ما يخالفه. والقاعدة القانونية وهي تنظم سلوك الاشخاص,قد تتجه الى التنظيم مباشرة,كالقاعدة التي توجب تنفيذ العقد طبقا لما إشتمل عليه وبطريقة تتفق مع حسن النية,والقاعدة التي تعاقب على القتل او السرقة وقد تتجه القاعدة إلى تنظيم سلوك الاشخاص بطريق غير مباشر,كالقاعدة التي تعرف العقد وتبين شروط إنعقاده وشروط صحته,او القاعدة التي تتحدد شروط القتل أو السرقة المعاقب عليها أو كيفية ضبط الجريمة أو تنفيذ العقوبة.ويمكن أن نستعير هنا تعبير أصول الفقه الاسلامي للتمييز بين هذين النوعين من القواعد فنسمي القواعد التي تنظم سلوك الاشخاص بطريق مباشر(قواعد تكليفية)ونسمي القواعد التي تنظم سلوكهم بطريق غير مباشر(قواعد تشريعية وضعية)أو قواعد(معاونة للتكليف).