كيف يجب أن يكون المحامي:
لينال المحاماة
ليس المحامي بالخصم الحقيقي وليس هو بطرف من أطراف النزاع وإنماهو وكيل عن طرف في النزاع، يتولى مهمة الهجوم حينا ومهمة الدفاع حينا آخر، وقد يكونوكيلا عن شخص في نزاع ثم يصبح ضده في نزاع آخر، وقد يصرع خصم موكله (اليوم) في دعوىيتولى مهمة الدفاع عنه غدا في دعوى أخرى.
ولها يتعين على المحامي إن لايتقيد بواجبه تلقاء موكله فقط وإنما عليه أيضا إن يتقيد بواجبات المحاماة الأخرىالتي لا محل فيها للخصومات الشخصية.
فلا يسيء للخصم بكلام ولا يجعل منه خصمحقيقي ولا يعامله الا بروح رياضية.
وان لا يسيء لكل من كانت له علاقةبالدعوى سواء اكان شاهدا أم خبيرا أم محاميا أم مدعيا عاما أم حكما، وان لا يسيءعلى وجه التخصيص لموكله ذاته وذلك برفع معنويات الموكل وان يفرج كربته ويقوي فيهالأمل والرجاء، والنبل هو حصيلة كل العلوم والآداب والفنون والمميزات والأخلاق التييجب أن تتوفر في المحامي.
وإذا كان المحامي نبيلا في مزاولة فنه، (نبيلا) فيأداء واجبه، فقد ادى رسالة المحاماة كاملة بشرف ونبل. وأن لا يكون رائده غير حملالناس على احترامه وتقديره ولا مبتغى له غير مرضاة الله تعالى وليتذكر دائما النبلالعظيم والمعنى السامي الذي انطوت عليه الآية الكريمة: (ادفع بالتي هي أحسن!! فإذاالذي بينك وبينه عداوة، كأنه ولي حميم!!)
الشجاعة: والشجاعة هبة عظيمةمن هبات الله وصفة جميلة من صفات الرجولة وميزة خاصة من مميزات (الشخصية) وإذا كانتشجاعة القائد عنصرا أساسيا لتفوقه في القيادة وشجاعة الجندي عاملا من عوامل كسبالمعركة وشجاعة التاجر في السوق باعث من بواعث نجاحه في تجارته، فما هي شجاعة ذلكالرجل الذي يقف وحده وسط معركة الرأي!! يعلن فيها رأيه ضد فئة وحزب أو شعب أو جورولا سند له غير إيمانه بصدق دعوته ولا محفز له غير إخلاصه لربه ومبدئه وشعبه وبلادهولا رائد له في هذا الموقف النبيل غير الفداء والتضحية إنما هو ليس بالشجاع فقط!! وإنما هو شجاع الشجاع!!
إن شجاعة الرأي ينبوع من ينابيع الخير والبركةوعامل من عوامل التفوق والنجاح وعنصر من عناصر العظمة والخلود. وان النفس الإمارةبالسوء فعلى المحامي إن يحاسبها الحساب العسير في كل ظرف وزمان وعليه إلا يطاوعهافي التأثر بمال أو جاه أو خوف.
وعلى المحامي بعد دراسة القضية وتكوينفكرة كاملة عنها أن يواجه صاحب القضية بالحقيقة وان يكون شجاعا في مواجهة موكلهمعتمدا على ذلك بلجوئه لأسلوب الروية والإقناع والكلام الطيب والأسلوب النفساني،بحيث يخرج الزبون من مكتبه قانعا بوجهة نظره، راضيا مطمئنا أو على الاقل غير ناقمأو يائس.
والمحامي يدخل بامتحان عسير للتوفيق بين اداء واجبه فيالمحاماة وبين نجاته من ورطة الموقف وهنا تدخل مشكلة الشجاعة في مواجهة الخصم فقديكون الخصم متنفذا في المجتمع او مشهور بالقدرة والكفاءة أو يحتل مكانا مرموقا اوحاكم اتسم حكمه بالظلم فكل هذه الامور تعد تحصيل حاصل لظهور فضيلة الشجاعة لدىالمحامي، الشجاعة التي لا تعرف الخوف والمساومة والزلفى.
فليكن رائدكالتقدير والاحترام لنفسك وللخصام لان الخصام ذاتهم وبحكم تماسهم بالمحامين يعرفونالصالح منهم والطالح ويفرقون في المعاملة بينهما ويدينون بالاحترام للمحامي الشجاعويحسون بالاحتقار للمحامي الوقح.
الاستشارات والعقود:
من عملالمحاماة ابداء الآراء القانونية دون تعقيب او مرافعة سواء اكان الرأي على شكل فتوىفي موضوع معين أم كان جوابا على سؤال محدد ام كان على شكل استشارة قانونية في مطلقالامور المتصلة بالقانون ام كان على شكل عقد من العقود يقوم المحامي بتنظيمه.
فالاستشارة القانونية من الامور الدقيقة التي يمارسها المحامي فبعض الناسيحملهم الشك والتردد في القطع بأحرص الامور إلى ان يستعين برأي المحامي لازالة الشكوالتردد والبعض يعتزم القيام بالتزام يخشى عواقبه القانونية.
ان الاستشارةخطيرة النتائج، فهي قد تكون سببا في الإقدام على امر خاطئ او ضار او العدول عن رأيكان صاحبه على صواب فيه. ولهذا يتعين على المحامي ان لا يعطي رأيه فيما استفتى فيهفورا وارتجالا وانما عليه ان يدرس القضية كما لو كان يدرس دعوى ثم يرجع للمستنداتان وجدت ويعود بعدها للقانون يستفتيه قبل ان يقدم هو فتواه.
كل فرد له طبيببهالخاص وله محاميه الخاص سواء بسواء... يستفتيه ويسأله الرأي بسلوك حضاري مهذب
واهمية المحامي كالطبيب.. كما ان هناك الطب الدوائي.. هناك الطب الوقائي.
فإذا كانت مهمة الأول العلاج مهمة الثاني تجنب المرض وتفاديه وما يصح قوله فيالطب يصح في القانون إذ هناك الدعوى.. وهناك الاستشارة..
فالدعوى علاج.. والاستشارة وقاية..
الاستشارة خطيرة النتائج قد تكون سببا في الإقدام على امراو الإحجام عنه لهذا يتعين على المحامي إلا يعطي رأيه ارتجالا إنما عليه ان يدرسالسؤال كما لو كان يدرس دعوى.. ثم يرجع إلى الوثائق ان وجدت.. ثم إلى القانونيستفتيه قبل ان (يتبرع) هو بفتواه.
بعض الزملاء يتطوعون بالإجابة على نحو (مسلوق) ظنا من هذا البعض ان الإجابة السريعة تزيد السائل قناعة بكفاءته وتوسعشهرته.
بتقديري هذا خطأ.. لأن السائل سرعان ما يستفتي سواه (مجانا أيضا) ويكشفالتناقض في الإجابات.
ولا ننسى ان هناك ممن ابتلاهم الله بداء الأسئلةالقانونية يوجهونها إلى كل محام يلتقون به مصادفة او اتفاقا.
(وهات في أسئلة)
البعض من هؤلاء يرى توجيه السؤال الى المحامي في أوقات استجمامه وفترات راحتهاو من خلال لقاء عابر نوعا من المجاملة والتسلية ولا يدري هذا البعض ان ما يفعله (غلاظة) منه وإرهاقا للمحامي.
في هذه الحالة على المحامي ان يتحاشى العطاءالجواب موجزا او مختصرا وان يطلب من السائل زيارته في المكتب ليسمعه الجواب حتى ولوكان في حدود كلمة (نعم) او (لا) السبب ان الاستشارة لها مكزها القانوني وهي جزء منإعمال المحاماة فلا تجوز أهانتها بهدرها في الطريق العام او المقهى او في سيارةتكسي..
ثم على السائل ان يعرف حقا ان الاستشارة مصدر رزق فلا يجوز ان يبيحهالنفسه بلا مقابل او اتعاب.
وبالنسبة للعقود فليس من السهل تنظيم العقودفالدعاوى الحقوقية باستثناء العقود الشفوية تقوم كلها على العقود والعقد هوحجرالاساس في كيان الدعوى والعقد فن خاص من فنون المحاماة يحتاج لمهارة خاصة فيتفهم مراد الطرفين وقدرة الموازنة بين مصلحتيهما حسب القانون.
ويجبعندما يهم المحامي بتنظيم عقد من العقود يجب مراعاة النقاط التالية:
1- لما كانالعقد ارتباطا ينظم مصلحة طرفين على أساس متوازن فينبغي ملاحظة الحقوق المتقابلةبحيث لا يرهق احد الطرفين، ولا يكون الغنم لأحدهما، والغرم للآخر.
وباعتبار العقد من مرتبات القانون المدني فيجب الرجوع لاحكام القانونالمدني في العقد وتطبيقها تطبيق كامل، ومراعاة الدقة في مقدمة العقد بحيث يتضحللوهلة الأولى مراد الطرفين دون زيادة او نقصان وان يراعي الإيجاز الكامل في القولوان لا يهمل ذكر محل تنظيم العقد وان لا يفضل عن تحديد الضمان الذي يتفق عليهالطرفان وعليه أيضا ان يعين مصير العربون ان وجد وان يذكر كذلك لزوم الإنذار منعدمه، إما بالنسبة للمرافعة ذلك النضال العلمي الذي يستخدم في المحامي كل إمكانياتهبمصارعة الخصم ومصارعة الحاكم والشهود والخبراء والادلة ليفوز آخر الأمر ويكسبالجولة فما أشقها؟
من اجل ذلك كانت المرافعة بحرا كبحر المحاماة ذاتها بعيدالشاطئ عميق الغور دائم الأمواج.
فما احلى المرافعة عندما يكون المحامي في موقفقوي يصول فيه ويجول من حجج بالأسئلة المنوعة سلاح العلم والفن وسلاح اللسانوالبيان.
وما أمرها عندما يكون المحامي في موقف ضعيف عندما لا يكون الحق بجانبهوعندما تخونه سلامة المنطق ودامغ الحجة وشجاعة الرأي.
فيجب على المحامي الرجوعللكتب العلمية وصنوف القوانين وشروحها واجتهادات القضاء عليه ان يتدجج بالأسلحةالاحتياطية دون ان يتعكز على عكاز الضعفاء وهي استمهل للجواب، عليه ان يعلم انالسلاح الأهم من أسلحة المعركة هو القلم فعليه ان يدرس الأدب وان يكتب ثم يكتب ثميكتب، وعليه ان يعلم ان ضبط النفس في المرافعة كضبط النفس في الحرب فليحذرالاستفزاز بأمر تافه او سخيف.
فالإمراض كثيرة ومتنوعة وهي حتى إذا اتحدت فيالنوع اختلفت في الظروف والإعراض والاختلاط والآلام ولك منها طريقة خاصة للفحصوأسلوب معين للمعالجة.
والغرض الأساسي من المرافعة هو الاقناع!. إقناع الحاكمبصواب الموقف وإبراز الفكرة واضحة الحق والمعالم والقسمات. والمحامي الحاذق هو الذييعرف كيف يدرس القضية ويهيئ حلها وكيف يتفنن لنوال الفوز في المعركة.
والمرافعات تقسم لصنفين أساسيين تبعا لماهية القضايا، فالأول يتناول المرافعاتفي القضايا الحقوقية والثاني يتناول المرافعات في القضايا الجزائية.
وبالنسبةللدعاوى التي يقبلها المحامي والدعاوى التي يرفضها.
فهذا بحث واسع دقيق للغايةلا قواعد له مكتوبة ولا ضوابط مرسومة لكن الضابط الرئيسي له هو الوجدان فمن البديهيالقول ان المحامي ليس في مقدوره ان يسبر غور الموكل ويغوص باعماقه وليس بمقدورهكذلك ان يقرر من دراسة الأوراق والوثائق واستعراض الوقائع انه قد توصل للحقيقة!! فقد تكون الحقيقة محتجزة وراء ستار كثيف، ولكن المطلوب من المحامي عمله في تحريه عنالحقيقة بعد الدرس والاستقصاء والتأمل.
وبالنسبة للدعوى الحقوقية، فان كانت صفةالموكل فيها (مدعي) جاز للمحامي التوكل فيها على ضوء الحقيقة التي توصل إليها.. إماان طلب الموكل إليه العمل على خلاف ذلك امتنع عليه آنذاك التوكل فيها، إذ يصبح فيهذه الحالة مسخرا لتنفيذ رغبات الموكل خلافا للحق الذي بانت له معالمه وخلافاللقناعة التي توفرت له.
إما إذا كانت صفة الموكل فيها مدعى عليه واقتنع المحاميبصدق موقفه وسلامة وضعه جاز للمحامي أيضا التدخل في الدعوى والخوض فيها على الأساسالذي تم التفاهم عليه.
إما إذا طلب الموكل إليه ان يسير في دفع الدعوى على أساسباطل او مغاير للحقيقة فعندئذ لا يجوز له التوكل فيها... وان هو سار فيها علىالأساس الصحيح ابتداء ثم حال الموكل بعدئذ للباطل وعمد إلى الزوغان عن الحق فعليهان ينسحب من الدعوى حفاظا على امانة المحاماة.
وخير سبيل لانسحاب المحامي هو انلا يعلن عن رغبته في الانسحاب في المحكمة ويكون آنذاك في حرج!! وانما يفاتح بذلكموكله ويطلب إليه ان يتولى هو مهمة الدعوى بالشكل الذي يشاءه.
وبالتالي فهذاالموضوع دقيق للغاية، والدقة فيه تأتي من ظروف وملابسات قد لا تدع للقانون اوللمنطق او للقناعة محلا!