حصانة المحامي والمحاماة
المحاماة صوت الحق في هذه الأمة، وفي كل أمة.. هي رسالة ينهض بها المحامون فرسان الحق والكلمة، ويخوضون فيها الغمار، ويسبحون ضد التيار !.. يحملون راية العدل في صدق وأمانة وذمة ووقار.. يناصرون الحق، ويدرأون الظلم.. يناضل المحامي في القيام بأمانته مناضلة قد تتعرض فيها مصالحه وحريته للخطر وربما حياته نفسها !
سيبقى رائعًا وعظيمًا ومنشودًا، أن يكون العدل مهجة وضمير وغاية ولسان وقلم القاضي فيما به يحكم، بيد أنه ليس يكفي المحامي أن يكون العدل مهجته وضميره وغايته، وإنما عليه أن يكون مفطورًا على النضال من أجله وأن يسترخص كل عناء ومجاهدة وخطر في سبيل الوصول إليه – القاضي حسبه أن يقتنع بالعدل فيحكم به، فالكلمة به صادرة من لسانه وقلبه، ثم هو محصن بالاستقلال وبالحصانة القضائية وبالمنصة العالية التي إليها يجلس، أما المحامي فيخوض غمارًا عليه أن يقف فيه شامخًا منتصبًا رغم أنه بلا حماية ولا حصانة، يكافح من أجل الحق الذي ينشده ويستصغر في سبيله مصالحه ويستهين بما قد يصيبه في شخصه وحريته، وربما في حياته نفسها، وتاريخ المحاماة شاهد في كل العصور على ذلك !
المحاماة رسالة، تستمد هذا المعنى الجليل من غايتها ونهجها.. فالمحامي يكرس موهبته وعلمه ومعارفه وقدراته لحماية (الغير) والدفاع عنه.. قد يكفي المهندس أو الطبيب أو الصيدلي أو المحاسب أو المهني بعامة أن يملك العلم والخبرة، والجد والإخلاص والتفاني، وعطاؤه مردود إليه.. معنى (الغير) والتصدي لحمايته والدفاع عنه ليس حاضرًا في ذهن المهني أو الحرفي، ولكنه كل معنى المحاماة وصفحة وعي المحامي.. الداعية الديني – مسلمًا كان أو مسيحيًا – يجلس إلى جمهور المتلقين المحبين المقبلين الراغبين في الاستماع إليه، لا يقاومون الداعية ولا يناهضونه ولا يناصبونه عداء ولا منافسة، أما المحامي فإنه يؤدي رسالته في ظروف غير مواتية، ما بين خصم يناوئه، ورول مزحوم قد يدفع إلى العجلة أو ضيق الصدر، ومتلقي نادرًا ما يجب سماعه وغالبًا ما يضيق به وقد يصادر عليه ويرى أنه يستغني بعلمه عن الاستماع إليه !! لذلك كانت المحاماة رسالة، الكلمة والحجة أداتها، والفروسية خلقها وسجيتها...
يستطيع المهني أن يؤدي مهمته متى دان له العلم والخبرة بتخصصه – بالطب إذا كان طبيبًا فذلك يكفيه للتشخيص وتحديد العلاج، وبالهندسة إذا كان مهندسًا فذلك يكفيه لإفراغ التصميم ومتابعة التنفيذ – وهكذا، أما المحامي – فلا يكفيه العلم بالقانون وفروعه، ولا تكفيه الموهبة – وهي شرط لازم، وإنما يتوجب عليه أن يكون موسوعي الثقافة والمعرفة، لأن رسالته قائمة على (الإقناع)، يتغيا به التأثير في وجدان، والوصول إلى غاية معقودة بعقل وفهم وضمير سواه، وهذه الغاية حصاد ما توفره الموهبة ويدلي به العلم وتضافره الثقافة والمعرفة – مجدول ذلك كله في عبارة مسبوكة وشحنة محسوبة لإقناع المتلقي. وما لم يصل المحامي إلى هذا الإقناع، فإن مهمته تخفق في الوصول إلى غايتها.. لذلك في المحامي لا يمكن أن يكون من الأوساط أو الخاملين، وإنما هو شعلة نابهة متوقدة متيقظة، موهوبة ملهمة، مزودة بزاد من العلوم والمعارف لا ينفد، مستعدة على الدوام لخوض الصعب وتحقيق الغاية مهما بذلت في سبيلها ما دامت تستهدف الحق والعدل والإنصاف.
ولذلك فإن فروسية الكلمة، ليست محض رصف لحروف، أو عبارات، ولا هي محض مباهاة أو طنطنة.. لا تتحقق للكلمة هذه الفروسية ما لم تكن تعبيرًا عن حاصل واقع وقائم في وجدان وحناياه ملقيها، مقرونًا باستعداد للبذل والنضال والكفاح من أجل تحقيق معانيها: في عالم الواقع لا في عالم الخيال، في عالم الفعل لا في عالم التفاخر والتباهي والتيه بالكلمات بغض النظر عن قيمتها وما تترجم عنه في عالم الواقع والفعل والعمل والسلوك.. لم يكن النبي - عليه السلام – فارسًا للكلمة لمجرد أنه يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) - ولا لمجرد أنه قال لعمه أبي طالب في شأن كبار قريش الذين جاءوا يساومونه على دينه ويعرضون عليه العروض ليصرف النظر عما يدعو إليه، فقال: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه - ما تركته !. ( .. ولم يكن عليه السلام فارسًا للكلمة لمجرد أن ختم دعاؤه الشهير بالطائف قائلاً في مناجاته لربه: (إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي ! ( .. وإنما كان محمد المصطفى فارسًا للكلمة لأنه كان يعني ما يقول، ولأنه ترجم الكلمات إلى واقع احتمل فيه العذاب والتنكيل والإساءة والإهانة والإيذاء.. جاهد ما وسعته وفوق ما تسعه طاقة أشداء المجاهدين، واحتمل جمرات قذائف وطعنات الكفار والمشركين، ولم يضق بما كان فيه من مكابدة ونصب، بل مضى لأداء رسالته يحول الكلمات إلى واقع غيّر وجه الحياة وحمل النور والضياء إلى الإنسانية عبر المكان والزمان !!
المحاماة رسالة الحق ونصيره وصوته، والمحامون هم فرسان هذه الرسالة، الحاملون لأمانتها، الناهضون بها، الباذلون بصدق وأمانة ومضاء وإخلاص في محرابها.. يحتضنون في ضمائرهم أوجاع وآلام وهموم الناس، يخوضون الغمار ويجتازون الصعاب للقيام برسالتهم النبيلة.. قوامها الحجة والبيان والبرهان، ورايتها الحق والعدل والحرية.
هذه الرسالة الضخمة، تستلزم استلزام وجوب أن توفر للمحامي وللمحاماة الحصانة والحماية الكافية، حصانة المحامي وحمايته في أداء رسالته وحمل أمانته، هي حصانة وحماية للعدالة ذاتها، لأن النهوض بها عبء جسيم، ولأن غايتها غاية سامقة يجب أن يتوفر لحملة رايتها ما يقدرون به أن يؤدوا الرسالة في أمان بلا وجل ولا خوف ولا إعاقة ولا مصادرة !!
ومع أن المدونة التشريعية المصرية، لا تزال إلى الآن دون المستوى المطلوب في حماية المحامي والمحاماة، فإن علينا أن نقر بأن كثيرين منا لا يلتفتون - أو بالقدر الكافي - لما حملته المدونة التشريعية من عناصر يتعين على المحامين، وعلى النقابة - أن يلموا بها وأن يتمسكوا بإعمالها إلى أن ترتفع المدونات ومعها الحماية إلى المستوى الذي تنشده المحاماة والمحامون. - هذا ويمكننا أن ستخلص من المدونات التشريعية الحالية بعض الخطوط العريضة التي نأمل أن تزداد عراضة واتساعًا وعمقًا.
تورد المادة / 1 من قانون المحاماة 17/1983 - أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.
وتورد ذات المادة الأولى من قانون المحاماة، أن مهنة المحاماة يمارسها المحامون وحدهم في استقلال لا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم وأحكام القانون، فماذا أوردت المدونة التشريعية المصرية ضمانًا لذلك ؟ !
أولاً: الاحترام الواجب للمحامي والمحاماة وضمانه قيام المحامي بأمانته بالجلسة:
نصت المادة /49 من قانون المحاماة 17/1983 على أن (يعامل المحامي من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة)
وهذا الاحترام الواجب، لا يصل إلى غايته ما لم تتضافر معه حماية تسبغ على المحامي حال قيامه بواجبه وأمانته، فلا جدوى من ترك واجب الاحترام للآخرين يبذلونه متى شاءوا أو يضنون به متى أرادوا.. يزيد هذه المخاطر احتمالا، أن المحامي يتعامل مع سلطات درج شاغلوها على ممارسة السلطة بما تعطيه هذه الممارسة من اعتياد الخلود والارتياح إليها وحب ممارستها بما قد يؤدي إلى تجاوزات ينبغي أن يؤمن المحامي من غائلتها إذا تجاوزت أن اشتطت.
لذلك نصت الفقرة الثانية من المادة/ 49 سالفة الذكر، على أنه:-
(واستثناء من الأحكام الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التي تقع فيها المنصوص عليها في قانون المرافعات والإجراءات الجنائية إذا وقع من المحامي أثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه إخلال بنظام الجلسة أو أي أمر يستدعي محاسبته نقابيًا أو جنائيًا، يأمر رئيس الجلسة بتحرير مذكرة بما حدث ويحيلها إلى النيابة العامة ويخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك).
فلا تجيز هذه المادة - ونقلتها بنصها المادة / 590 من تعليمات النيابة العامة (الكتاب الأول) - لا تجيز للقاضي أن يعامل المحامي الحاضر أمامه بما قد تعامل به جرائم الجلسات، وكل ماله هو أن يحرر مذكرة تحال إلى النيابة العامة مع إخطار نقابة المحامين الفرعية بذلك.
وعلى ذات هذا النظر جرت المادة / 245 من قانون الإجراءات الجنائية، وزادت أنه لا يجوز أن يكون رئيس الجلسة أو أحد أعضائها عضوًا في الهيئة التي تنظر ما عساه يرفع على المحامي.
وتأمينًا للمحامي من أي جنوح في معاملته، نصت المادة / 50 من قانون المحاماة على أنه:
(في الحالات المبينة بالمادة السابقة لا يجوز القبض على المحامي أو حبسه احتياطيًا، ولا ترفع الدعوى الجنائية فيها إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العاملين الأول).
بهذه النصوص أخرج المشرع ما عساه يصدر من المحامي مخالفًا لقانون وتقاليد المحاماة أو المدونة الجنائية - من عداد الاختصاص المقرر للمحاكم في جرائم الجلسات.
وجوهر هذا الاستثناء الذي قرره الشارع في شأن جرائم الجلسات التي قد تقع أو تنسب إلى محام - أنه لم يخول المحكمة سلطة التحقيق أو الحكم فيها، وإنما قصر سلطتها على مجرد الإحالة إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق، فلا يجوز للمحكمة أن تحقق مع المحامي الحاضر أمامها أو تتخذ إزاءه أي إجراء من الإجراءات التحفظية، وغاية هذا واضحة هي توفير مظلة الأمان الواجب للمحامي وهو ينهض برسالته بالجلسة.
وعلة هذا الاستثناء أن المحامي يحتل في النظام القضائي الحديث مركزًا قانونيًا، وهو يعاون القاضي في الفهم الصحيح لوقائع الدعوى والتطبيق السليم للقانون عليها، ومن المصلحة أن يمكن من أداء واجبه في حرية ودون أن يخشى إجراءً تعسفيًا أو عقوبة فورية يوقعها القاضي عليه، يعني ذلك أن ثمة اختلافًا أساسيًا بين وضع المحامي في الجلسة ووضع غيره من الحاضرين فيها، وهذا الاختلاف يفسر الحكم الخاص بهذه الجرائم، وبالإضافة إلى ذلك، قدر الشارع أن من المصلحة - في حالة وقوع الاعتداء على أحد أعضاء هيئة المحكمة - أن يفصل في جريمة المحامي في جلسة غير الجلسة التي سيطر عليها التوتر الذي ترتب على المشادة بينه وبين عضو المحكمة، بل إن الإرجاء قد يتيح الصلح بينهما، فلا تحال الدعوى إلى القضاء، وفي عودة الوئام بين عضو هيئة المحكمة المعتدى عليه وبين المحامي مصلحة لا شك فيها، وإذا أحيلت الدعوى على القضاء، فإنه يفصل فيها قاضٍ آخر غير من وقع الاعتداء عليه، فلا يجوز أن يجمع شخص واحد بين صفتي المجني عليه والقاضي.
* د. محمود نجيب حسني - الإجراءات - ط 1988 - رقم 179 - ص 165 - 166
* الأستاذ علي زكي العرابي - الإجراءات - جـ 1 - رقم 1439 - ص 695
* الدكتور محمود مصطفى - الإجراءات - رقم 87 - ص 115
* د. حسن المرصفاوي - الإجراءات رقم 65 - ص 168
* د. مأمون سلامة - الإجراءات الجنائية في التشريع المصري - جـ 1 - ص 187/188
* د. مأمون سلامة - الإجراءات معلقًا عليه - ط 1980 – ص 612
وفيما يبدو أنه استجابة واجبة لهذه القاعدة المقررة بقانون المحاماة وقانون الإجراءات الجنائية وتعليمات النيابة العامة - نصت المادة / 592 من تعليمات النيابة العامة على أنه:-
(لا يجوز القبض على محامٍ أو حسبه احتياطيًا لما نسب إليه في الجلسة من جرائم القذف والسب والإهانة بسبب أقوال أو كتابات صدرت منه أثناء أو بسبب مارسته المهنة، وعلى عضو النيابة تحرير محضر بما حدث في هذه الحالة وإبلاغ صورته عن طريق المحامي العام أو رئيس النيابة الكلية إلى مجلس النقابة، وذلك دون إخلال بسلطة النيابة في تحقيق هذه الجرائم).
ثانيًا: حماية المحامي من أي تجاوز أو إهانة أثناء قيامه بأعمال مهنته:
حماية المحامي هي فيما أسلفنا - حماية للمحاماة وللعدالة، والإقرار بما للمحاماة من دور هام ومشارك في تحقيق العدالة، تستوجب حمايته من أي تجاوزات تمسه أو تمس اعتباره أثناء نهوضه بأمانته - ومع أن التعدي والإساءة للاعتبار معاقب عليهما بالمدونة العقابية بغض النظر عن شخص المجني عليه - فإن قانون المحاماة 17/1983 نص في مادته / 54 على ما يلي:-
(يعاقب كل من تعدى على محام أو أهانه بالإشارة أو القول أو التهديد أثناء قيامه بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يرتكب هذه الجريمة ضد أحد أعضاء هيئة المحكمة).
وجدير بالذكر أن الفقرة الثانية من المادة / 133 عقوبات، تعاقب عن إهانة هيئة قضائية بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه.
ثالثًا: ضوابط وقيود التحقيق مع المحامي أو تفتيش مكتبه:
نصت المادة / 51 من قانون المحاماة 17/1983 على أنه:
(لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة.
ويجب على النيابة العامة أن تخطر مجلس النقابة أو مجلس النقابة الفرعية قبل الشروع في تحقيق أية شكوى ضد محام بوقت مناسب، وللنقيب أو رئيس النقابة الفرعية إذا كان المحامي متهمًا بجناية أو جنحة خاصة بعمله أن يحضر هو أو من ينيبه من المحامين، التحقيق.
ولمجلس النقابة، ولمجلس النقابة الفرعية المختص طلب صور التحقيق بغير رسوم).
ونصت المادة / 587 من تعليمات النيابة العامة (الكتاب الأول) على أنه:
(إذا اتهم أحد المحامين بارتكاب جناية أو جنحة لا صلة لها بمهنته فيجب على الشرطة إذا كان البلاغ قد ورد إليها ابتداء إخطار النيابة فورًا لتتولى تحقيق الحادث، وعلى النيابة الجزئية التي تلقت بلاغ الحادث أو أخطرت به أن تتولى تحقيقه وقيده بجداولها مع مراعاة إخطار المحامي العام أو رئيس النيابة الكلية بذلك فورًا وقبل البدء في التحقيق، ولا يجوز للنيابة أن تكلف الشرطة بتحقيق أية شكوى من الشكاوى التي تقدم ضد المحامين ولا بإجراء استيفاء فيها، وإذا اقتضى التحقيق حضور المحامي إلى مقر النيابة فيجب طلبه بكتاب خاص يرسل إليه مباشرة أو الاتصال به بطريق التليفون ولا يجوز طلب المحامي إلى النيابة عن طريق الشرطة).
ونصت المادة /588 من تعليمات النيابة العامة (الكتاب الأول) على أنه:
(إذا كان موضوع الشكوى المقدمة ضد المحامي يتعلق بمهنته فيجوز للمحامي العام أو رئيس النيابة الكلية الاكتفاء بطلب معلومات المحامي إلا إذا كان اقتضى الأمر سماع أقوال الشاكي أو إجراء تحقيق فيما تضمنته الشكوى، فإذا تفاهم طرفا الشكوى أو ثبت أنها غير جدية فيتعين حفظها ما لم ير المحامي العام أو رئيس النيابة الكلية استطلاع رأي المحامي العام لدى محكمة الاستئناف قبل التصرف فيها).
ونصت المادة / 589 من تعليمات النيابة العامة (الكتاب الأول) على أنه:
(إذا اتهم المحامي بأنه ارتكب جناية أو جنحة أو أنه أخل بواجباته أو بشرف طائفته أو حط من قدرها بسبب سيره في أعمال مهنته أو غيرها فيجب على النيابات أن ترسل التحقيق الذي تجريه في ذلك إلى المحامي العام لدى محكمة الاستئناف بمذكرة لاستطلاع الرأي قبل التصرف فيه، وعليه إرسال الأوراق إلى النائب العام إذا رأى محلاً لإقامة الدعوى الجنائية أو التأديبية).
هذا ومع ما نصت عليه المادة / 592 سالفة البيان من تعليمات النيابة العامة، فإن المادة / 593 من ذات التعليمات قد نصت على أنه:
(لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة ويجب على عضو النيابة أن يخطر مجلس نقابة المحامين أو مجلس النقابة الفرعية قبل الشروع في التحقيق أي شكوى ضد أحد المحامين بوقت مناسب.
فإذا كان المحامي متهمًا بجناية أو جنحة خاصة بعمله فللنقيب أو رئيس النقابة الفرعية أو من ينبه من المحامين حضور التحقيق).
وتقييد تفتيش مكتب المحامي هو فرع على ما يجب توفيره له من ظروف وضمانات لتوفير الحماية الواجبة له ليستطيع أن ينهض بمهامه ويؤدي رسالته في حرية وطمأنينة وأمان، يفرض هذا أيضًا أن المحامي عرضه بالأدوار التي يؤديها في الخصومات أن يكون هدفًا لانتقام هذا أو ذاك من أطراف الخصومة ببلاغ كيدي، فضلاً عما يجب أن يتوفر للمكتب وأوراقه ومستنداته من سياج تأمن به من أي عبث أو تهديد قد يتستر شكلاً بشكاوى وإجراءات ظاهرها برئ وباطنها الرغبة في الكيد للمحامي أو الوصول إلى النيل منه أو مما لديه من مستندات وأوراق تتعلق بها أسرار ومصالح الخصوم الذين يتولى قضاياهم.
رابعًا: حصانة المحامي في مرافعته الشفوية والمكتوبة:
لا يعرف صعوبة المرافعة إلا من يكابدها، فهي حاملة الرسالة التي ينهض بها المحاماة في ظروف عسيرة لبلوغ الغاية وإحقاق الحق وإرساء العدل.
ولا غناء في مرافعة - شفوية أو مكتوبة - تحوطها المخاوف والهواجس، وإلا فقد الدفاع حكمته وغايته جميعًا.
وحماية المحامي في أداء رسالته، هي فرع على حماية حقوق الدفاع، سواء باشرها أطراف الخصومة، أو نهض بها المحامون.
وقد نصت المادة / 309 عقوبات على أنه:-
(لا تسري أحكام المواد 302، 303، 305، 306، 308 على ما يسنده أحد الأخصام في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية).
ونصت المادة / 47 من قانون المحاماة 17/1983 (المادتان 91، 134 من قانون المحاماة 61/ 68) على أنه:-
(للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجحة طبقًا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله ولا يكون مسئولاً عما يورده في مرافعته الشفوية أو في مذكراته المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع، وذلك مع عدم الإخلال بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية).
هذا وقد جرى تواتر قضاء النقض باطراد، على أن حكم المادة 309 ع ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه وأنه يستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أي في محاضر البوليس، ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه (نقض 2/10/1965 - س 7 - 269-986)، حتى أنه قضى بدخول إنكار بنوة الطفل واتهام أمه بأنها حملته سفاحًا في دائرة أفعال القذف المباحة لأنها من مستلزمات الدفاع، وكذلك نسبة الاختلاس والارتشاء إلى الموظف لإثبات مبررات فصله، أو نسبة اختلاس ريع الوقف إلى نظار الوقف في دعوى عزله من النظارة، (نقض 10/6/1940 مج القواعد القانونية - عمر - جـ 5 - رقم 122 - ص 230)، كما قضى بأن نسبة الإقراض بالربا الفاحش إلى الخصم في معرض بيان مقدرته المالية تعتبر متعلقة بدعوى النفقة المرفوعة عليه - (نقض 4/3/40 مج القواعد القانونية - عمر – جـ 5 - رقم 71 - ص 122)، كما قضى أيضًا بأنه من المباح لأنه من مستلزمات الدفاع إسناد المتهم شهادة الزور والرشوة إلى رجل البوليس الذي حرر ضده محضر جمع الاستدلالات (جرائم النشر.. الأستاذ محمد عبد الله محمد - ط 1951 - ص 347).
* وقضت محكمة النقض بأن:
(الإدانة) بالسبب تستلزم من الحكم بيان العبارات محل الاتهام بالسب أو القذف، - حتى يتضح وجه استخلاص الحكم أن عبارات السب ليست مما يستلزمه حق الدفاع في النزاع).
* نقض 22/10/1972 - س 23 - 240 - 1074
بل وقضت محكمة النقض بأنه:
(يدخل في معنى الخصم الذي يعفى من عقاب القذف الذي يصدر منه أمام المحكمة طبقًا لنص المادة / 309 ع المحامون عن المتقاضين ما دامت عبارات القذف الموجهة إليهم تتصل بموضوع الخصومة وتقتضيها ضرورات الدفاع).
* نقض 27/11/1956 - س 7 - 332 - 1196
* وقضت محكمة النقض بأن:
(حكم المادة / 309 عقوبات ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه، فيستوي أن تصدر العبارات أمام محاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محضر الشرطة، - ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه، وما فاه به الطاعن من طلب السكوت من جانب الطعون ضده (بقوله (اخرس)) أدنى وسائل الدفاع عن نفسه في مقام اتهامه أمام الشرطة باغتصاب أثاث زوجته ورميه بأنه يعيش من مالها - ويكون الحكم إذ اعتبر ما تلفظ به الطاعن/ سبًا يكون قد أخطأ في التكييف القانوني).
* نقض 6/10/1969 - س 20 - 197 - 1014
وأيدت محكمة النقض الحكم القاضي ببراءة المطعون ضده - والذي وجه لخصمه في دعوى مدنية أمام محكمة الموسكي الجزئية - عبارة (أنت خايف ليكشف تزويرك) - وقالت المحكمة أن هذا الإسناد مما يستلزمه الدفاع، وأن الخصم إذ وصف اختلاف المستندات بأنه تزوير فإن ذلك يكون تضخيمًا لتهيئة ذهن المحكمة بما يستلزمه الدفاع، وقالت محكمة النقض أنه لما كان ذلك وكان الفصل فيما إذا كانت عبارات السب أو القذف مما يستلزمه الدفاع متروكًا لمحكمة الموضوع وكانت المحكمة قد رأت أن العبارات التي صدرت من المطعون ضده إنما تتصل بالنزاع القائم وبالقدر الذي تقتضيه مرافعة الخصم عن حقه، وانتهت في منطق سليم إلى أن تلك العبارات مما تمتد إليه حماية القانون، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب التعويض تأسيسًا على تعلق (القذف) بالخصومة ومناسبته للمقام، لا يكون قد أخطأ في شيء ويكون الطعن على غير أساس متعينًا رفضه).
* نقض 27/11/1956 - س 7 - 332 - 1196
* وقضت محكمة النقض بأنه:
(متى كانت محكمة الموضوع قد قررت في حدود سلطتها التقديرية أن العبارات التي اعتبرها الطاعن قذفًا في حقه - إنما صدرت من المطعون ضده في مقام الدفاع في الدعوى المدنية التي رفعها الطاعن عليه ورأت أن المقام كان يقتضيها فلا يقبل الجدل في ذلك أمام محكمة النقض).
* نقض 26/1/1948 - مج القواعد القانونية - عمر - جـ 7 - 519 - 478
* وقضت محكمة النقض بنقض وإلغاء الحكم المطعون فيه الذي كان قد قضى بالإدانة - وقضت مجددًا ببراءة الطاعن الذي كان قد رد على ادعاء المدعية بقيام الزوجية وأنها أثمرت طفلاً - بأن قال (إن هذا الولد نتيجة سفاح) - وأوردت محكمة النقض أن عبارات القذف إنما وقعت أثناء تحقيق النيابة وكانت في مقام الدفاع، فتكون الواقعة المسندة إليه لا عقاب عليها طبقًا للمادة 309 عقوبات، - ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه).
نقض 19/5/1941 - مج القواعد القانونية - عمر - جـ 5 - 266 - 522
* كما قضت في العديد من أحكامها، - بأن تجاوز حق الدفاع المقرر في المادة / 309 عقوبات لا يستوجب إلا المساءلة المدنية.
* نقض 23/2/1942 - مج القواعد القانونية - عمر - جـ 5 - 367 - 629
* نقض 8/1/1931 - مج القواعد القانونية - عمر - جـ 2 - 142 - 178
* وقضت محكمة النقض بأن:-
(حكم المادة / 309 عقوبات ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه فيستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محاضر البوليس ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه).
* نقض 2/10/1956 - س 7 - 269 - 986
وذلك وفي هذا الحكم الصادر 2/10/1956 برئاسة المستشار مصطفى فاضل وكيل المحكمة، - وبعضوية المستشارين محمود إبراهيم إسماعيل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين، وأحمد عفيفي أيدت محكمة النقض القضاء بالبراءة عن واقعة نعي فيها الطاعن على المطعون ضدهم - أن قذف أحدهم علنًا في حق الطاعن بأن أسند إليه في محضر رسمي (أنه ليس محاميًا وليس له أن يتخذ لقب أستاذ التي هي للمحامين) - فقضت محكمة أول درجة حضوريًا ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية وإلزامه بمصروفاتها - فاستأنف المدعي الحق المدني (الطاعن) هذا الحكم، فقضت محكمة الإسكندرية الابتدائية حضوريًا بتأييد الحكم المستأنف (القاضي بالبراءة) وألزمته (الطاعن) المصروفات المدنية الاستئنافية، - فطعن من ثم بالنقض، - ناعيًا على المحكمة أنها قصرت في الرد على دفاعه - دفاع الطاعن - بأن العبارات تشكل قذفًا في حقه لما تضمنته من أنه يدعي أنه محام ويدعو نفسه بأستاذ بغير حق، فقضت محكمة النقض برفض هذا الطعن وتأييد الحكم القاضي بالبراءة قولاً منها بأن المحكمة الاستئنافية فيما قضت به من عدم قيام الجريمة وانتفاء الخطأ الموجب للمسئولية المدنية، قد أحاطت بظروف الدعوى وألمت بموجبات هذا القضاء وأقرت الحكم المستأنف (القاضي بالبراءة) فيما قرره في حدود سلطة المحكمة التقديرية من أن العبارات موضوع الاتهام (أنه ليس محاميًا وليس له أن يتخذ لقب أستاذ التي هي للمحامين) تشملها حصانة الدفاع، - وأنه متى كان ذلك فإنه لا يعيب الحكم أنه أجرى حكم المادة 309 عقوبات على ما أبدى من عبارات في محضر تحقيق البوليس لأن حكم هذه المادة ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه فيستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محاضر البوليس ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه)
* نقض 2/10/1956 - س 7 - 269 - 986 - الطعن 749/26 ق
خامسًا: كفالة حق المحامي في الاطلاع وعدم جواز المصادرة على حقه أو تعطيله:
نصت المادة / 52 من قانون المحاماة 17/1983 - على أنه:-
(للمحامي حق الاطلاع على الدعاوى والأوراق القضائية والحصول على البيانات المتعلقة بالدعاوى التي يباشرها.
ويجب على جميع المحاكم والنيابات ودوائر الشرطة ومأموريات الشهر العقاري وغيرها من الجهات التي يمارس المحامي مهمته أمامها أن تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه وتمكينه من الاطلاع على الأوراق والحصول على البيانات وحضور التحقيق مع موكله وفقًا لأحكام القانون ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ قانوني.
ويجب إثبات جميع ما يدور في الجلسة في محضرها).
واستجابة لما نص عليه قانون المحاماة، وتوجيه العدالة وكفالة حقوق الدفاع، أصدر النائب العام الكتاب الدوري رقم 7/1996 أورد فيه ما يلي:-
(لما كان من المقرر أن حق الاطلاع على أوراق التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع المتهمين تعد من أبرز حقوق الدفاع التي نظمها قانون الإجراءات الجنائية، والمادة / 52 من قانون المحاماة رقم / 17 لسنة 1983 - بوصفه من أهم ضمانات التحقيق الجنائي وذلك تمكينًا للدفاع من القيام بواجبه المنوط به قانونًا.
وتطبيقًا لذلك - نظمت المواد 605، 612، 613 من التعليمات القضائية حالات وضوابط ممارسة الدفاع لذلك الحق، وجاء تنظيمها في هذا الشأن شاملاً كذلك لحالات ممارسة التحقيق في ظروف الاستعجال ومقتضيات الضرورة بسبب الخوف من ضياع الأدلة.
وبناء على ما تقدم - ونزولاً على تلك الاعتبارات فإننا ندعو السادة أعضاء النيابة إلى ضرورة العمل على تيسير حق الدفاع في الاطلاع على أوراق التحقيقات أو نسخها ملتزمين في ذلك بما ورد في النصوص سالفة الإشارة من أحكام وضوابط قانونية تمكينًا للدفاع من أداء واجبه المقرر في هذا الشأن).
ثم زاد النائب العام هذه الكفالة قوة وضمانًا، في الكتاب الدوري رقم /1 لسنة 2002 - وأورد فيه ما يلي:-
(نصت المادة 125 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه (يجب السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة ما لم يقرر القاضي غير ذلك، وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق).
ولما كان حق الدفاع من الحقوق الأصلية المكفولة لكل مواطن بحكم الدستور، الأمر الذي يجب وضعه دائمًا في موضع التنفيذ في كافة مناحيه والعمل على إزالة أية عقبات تعترض سبيله، ولعل من أهم مظاهره وجوب السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق حتى اليوم السابق على استجواب المتهم أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود حتى يحاط الدفاع بما جرى في التحقيقات عن بصر وبصيرة حرصًا على أداء واجبه وصولاً إلى الحقيقة التي ينشدها المجتمع.
فإننا ندعو السادة أعضاء النيابة إلى تكليف رؤساء الأقلام الجنائية بالنيابات الكلية والجزئيات تحت إشرافهم بتصوير التحقيقات التي تجريها النيابة العامة أيًا كان الرقم القضائي المقيدة به عقب كل جلسة تحقيق وختمها بخاتم النيابة لتكون صورة طبق الأصل تودع لدى رؤساء الأقلام الجنائية على أن يتم تصوير نسخة معتمدة من الصورة المودعة تسلم للسادة المحامين الموكلين حال طلبهم الاطلاع على التحقيقات بعد سداد الرسوم المقررة، ويحتفظ بأصل التحقيقات بعيدًا عن التداول).
سادسًا: عدم جواز إجبار المحامي على إفشاء ما لديه من أسرار موكليه:
في حياة ونفس كل إنسان أسرار ودقائق وأمور لا يعلمها إلا عالم الأسرار ومن خلق النفس البشرية وسواها فألهمها فجورها وتقواها.. سبحانه وتعالى، ولا يقوى صاحبها على المصارحة والإفضاء والإسرار بمكنون ومخبوء نفسه إلا لمن يثق فيه ويطمئن إلى أنه لن يفشي ذلك السر، فالإنسان مجبول بفطرته وطبيعته وغريزته على أن يكتم سره في قبله وألا يبوح به لأحد من الناس إلى لمن وثق به وأمن واطمأن إليه وارتضاه حافظًا على أسراره.
وذلك فقد حرصت الشرائع على تحريم وحظر وتجريم إفشاء الأسرار وحضت على كتمان الأسرار بحسبانه واجبًا وإلزامًا خلقيًا، وقد ابتدأ الأمر بتجريم رجال الدين إذا ما أفشوا سر الاعتراف، ثم امتد نطاق الحظر والتجريم بعد ذلك إلى المحامين ووكلاء الدعاوى والأطباء على مختلف تخصصاتهم والصيادلة، والجراحين والقوابل، ولما تطورت رسالة الدولة وتزايدت واتسعت واجباتها وجد كمان أسرار المهنة تطبيقاته في أعمال السلطات المختلفة، كالقضاء والتحقيقات والتوثيق والضرائب وغيرها.
ولذلك فقد نصت م 75 أ.ج على أنه:
تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه سبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقًا للمادة / 310 من قانون العقوبات).
كما أكدت هذه القاعدة م / 58 أ.ج بالنسبة إلى كل موظف يكون قد وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء والأوراق المضبوطة، وكذلك ما نصت عليه م/ 154 ع من أن (كل من أخفى من موظفي الحكومة أو مصلحة التلغراف أو مأموريها تلغرافًا من التلغرافات المسلمة إلى المصلحة المذكورة أو أفشاه أو سهل ذلك لغيره ويعاقب...........)
وواجب المحامي في المحافظة على أسرار موكله، وينبع أساسًا من قيم وتقاليد المحاماة، ويستند أيضًا إلى نص المادة / 79 من قانون المحاماة 17/1983 التي نصت على أنه:-
(على المحامي أن يحتفظ بما يفضي به إليه موكله من معلومات، ما لم يطلب منه إبداءها للدفاع عن مصالحة في الدعوى).
وجدير بالذكر أنه توجد قوانين أخرى لا يتسع المقام لسردها - أوجبت على طوائف مختلف من الموظفين عدم إفشاء أسرار المهنة، مثل م / 48 من القانون رقم 14/ 1939 الخاص بفرض ضريبة على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة وعلى الأرباح الصناعية والتجارية وعلى كسب العمل، والمادة / 18 من المرسوم بقانون رقم 163 / 1950 الخاص بشؤون التسعيرة الجبرية وتحديد الأرباح والمادة / 14 من القانون رقم 80 / 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد.
ومهنة المحاماة من أبرز المهن التي يفزع فيها الإنسان طائعًا مختارًا إلى رسلها وفرسانها، يبوح إلى من يختاره منهم بمكنون ومخبوء نفسه، ولذلك فقد أوجب المشرع على المحامي حفظ هذه الأسرار (م/ 79 محاماة سالفة البيان)، كما حرص المشرع - تحقيقًا لهذه الغاية - على أن يحيط علاقة المحامي بموكله بسياج متين وضمانات تكفل الأمن والأمان والطمأنينة لتلك الرسالة السامية ومن يمارسها، فوضع نصوصًا لا يجوز بمقتضاها إجبار المحامي على إفشاء ما لديه من أسرار.
فنصت م / 65 من قانون المحاماة رقم 17/ 1983 على أنه:
(على المحامي أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إذا طلب منه ذلك من أبلغها إليه، إلا إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة).
وفي ذات المعنى والسياق سالف البيان نصت م / 66 من قانون الإثبات فق المواد المدنية والتجارية على أنه:
(لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها مقصودًا به ارتكاب جناية أو جنحة).
(ومع ذلك يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرها إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم)
ذلك أن المشرع قدر أن المحامي هو مستودع سر موكله، وهو المؤتمن على الأسرار التي سرها إليه والتي قد لا يأمن أن يسر بها إلى أحد آخر غيره ولو المقربين إليه، ولذا فقد احترم المشرع تلك العلاقة التي تربط المحامي بموكله وأحاطها بضمانة تبعث الطمأنينة والأمن في نفس المحامي وموكله، فنص في المادتين سالفتي البيان على عدم جواز إجبار المحامي على أن يفشي ما لديه من أسرار موكليه، كما أعطى له الحق في أن يمتنع عن أداء الشاهدة عن الوقائع أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إذا لم يأذن له موكله بذلك، بل وصل الأمر إلى حد أن المشرع حظر على المحامي إفشاء الأسرار والمعلومات والوقائع التي علم بها عن طريق مهنته ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته.
فقد نصت م/ 310 على أنه:
(كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعًا لديه بمقتضى صناعته أو وظيفته سر خصوصي أؤتمن عليه فأفشاه في غير الأحوال التي يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري).
(ولا تسري أحكام هذه المادة في الأحوال التي لم يرخص فيها قانونًا بإفشاء أمور معينة كالمقرر في المواد 202، 203، 204، 205 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية).
وواضح أن النص وإن تمثل في حظر الإفشاء بالأطباء والجراحين والصيادلة والقوابل، فإنه عنى بإطلاق القاعدة بصريح اللفظ لتمتد إلى غيرهم ممن تقتضي مهنهم الاطلاع على الأسرار، وفي مقدمتهم المحامون.
* نقض 31/1/1967 – س 8 - 24 – 128 – الطعن 1172/36 ق
وإذا كان لا يجوز إجبار المحامي على إفشاء ما لديه من أسرار موكليه، إلا أن ذلك لا يمنع من جواز سماع شهادته أمام النيابة أو القضاء إذا طلب أو أذن له موكله وصاحب السر بذلك، فحينئذ فقط يجوز للمحامي أن يدلي بشهادته.
وجرى قضاء النقض على أنه يجوز للمحامي أن يكون شاهدًا في الدعوى (نقض 2/1/1929 – مج القواعد القانونية – محمود عمر – جـ 1 – 97 – 118).
ومن المتفق عليه أنه يجوز للمحامي عن المتهم أن يسمع كشاهد نفي، إذ لا يوجد أي تعارض بين الصفتين، صفته كمحام عن المتهم وصفته كشاهد نفي للاتهام المنسوب إلى موكله، إذ لا يوجد أي نص قانوني يحظر على المحامي أن يكون شاهدًا، ولكن استشهاد سلطة الاتهام بالمحامي هو وحده الذي يتعارض مع واجبه في الدفاع عن المتهم، ومع ما يمليه عليه واجب عدم إفشاء الأسرار التي أؤتمن عليها فلا يجوز للمحامي – حينئذ – أن يشهد ضد موكله المتهم المكلف بالدفاع عنه.
* د. عبد الرءوف مهدي – شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية – ط نادي القضاة – 2003 – رقم 915 – ص 1334
* د. محمود نجيب حسني – الإجراءات – جـ 2 – 1988 – ص 488
والأصل هو أن حظر إفشاء الأسرار مقرر حتى ولو كان للتبليغ عن جريمة وقعت بالفعل، فليس للطبيب الذي يدعى إلى عيادة مصاب أن يبلغ عن إصابته، ولو اتصلت بجناية سواء أكان فيها جانيًا أو مجني عليه، وليس للمحامي الذي اعترف له موكله بارتكاب جريمة معينة أن يبلغ عنها وهكذا، ولا يمكن للطبيب أو المحامي في مثل هاتين الصورتين أو غيرهما أن يتذرع بحكم المادة 25 إجراءات التي أجازت (لكل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها.
وإنما استثناء من هذا الأصل أجاز القانون للأمين على السر أن يبلغ السلطات عما وصل إليه من معلومات إذا كان (ذكرها مقصودًا به فقط ارتكاب جناية أو جنحة (على حد تعبير المادة 66 من قانون الإثبات، أما إذا وقعت بالفعل فلا يجوز له الإفشاء بأية حال.
سابعًا: حماية مراسلات المحامي مع موكله والمحادثات الهاتفية بينهما:
ترتبط ضمانة حماية المراسلات المتبادلة بين المحامي وموكله بالضمانة التي قررها المشرع للمحامي وحظر فيها إجباره على إفشاء ما لديه من أسرار موكليه إلا بإذن الموكل أو بناء على طلبه.
فالمراسلات المتبادلة بين المحامي وموكله والأوراق والمستندات التي يسلمها أو يودعها الموكل لدى محاميه تتضمن بطبيعة الحال أسرارًا لا يجوز إجبار المحامي على إفشائها أو إطلاع الغير عليها أو تسليمها إليهم حتى ولو كانت صورًا ضوئية منها.
ولذلك فقد نصت م/ 96 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 328 من التعليمات العامة للنيابات على أنه:
(لا يجوز لقاضي التحقيق أن يضبط لدى المدافع عن المتهم أو الخبير الاستشاري الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليها بها، ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية).
وواضح من ذلك النص أن المشرع قد وضع قيدًا على نطاق الأشياء التي يجوز للمحقق ضبطها فاستبعد منه الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم للمدافع عنه كي يستعين بها في الدفاع عنه أو المراسلات المتبادلة بينهما في هذا الشأن، ولو رجح المحقق أن ضبطها فيه فائدة كبيرة للتحقيق، وعلة هذا القيد تمكين المدافع من القيام بدوره في الدعوى الجنائية، وهو دور قد صار أساسيًا في القانون الحديث، ويتصل هذا القيد كذلك بالتزام المدافع بالسر المهني، وعدم جواز أن التنقيب عن الدليل بطريق غير مشروع، ويتسق ذلك مع المبدأ الذي قررته المادة/141 من قانون الإجراءات الجنائية من حيث (عدم جواز الإخلال بحق المتهم في الاتصال دائمًا بالمدافع عنه بدون حضور أحد)، فإذا كان من حق المتهم أن يتحدث شفويًا مع المدافع عنه بدون أن يستمع المحقق لحديثه، فإنه يرتبط بذلك حقه في أن يرسله دون أن يطلع المحقق على رسائله، وإذ الرسالة حديث مكتوب، والعلة العامة التي تجمع بين هذه المبادئ هي الحاجة إلى تمكين المتهم والمدافع عنه في أن يضعا خطة الدفاع معًا، دون أن يفسد تدبيرهما اطلاع المحقق على ما يدور بينهما، ومن مصلحة المجتمع أن توضع خطة الدفاع التي تكافل اطلاع القضاء على وجهة نظر المتهم.
وعلة النص تتيح استظهار الأحكام التي يقررها: فالحصانة من الضبط تشمل ما يسلمه المتهم إلى المدافع عنه من أشياء كي يستعملها في الدفاع عنه، وتشمل كذلك المراسلات المتبادلة بينهما، وقد سوى الشارع بالمدافع عن المتهم الخبير الاستشاري الذي اختاره، فهو كذلك مدافع عنه من الوجهة الفنية.
ويشترط لعدم جواز الضبط شرطان: أن يكون من سلم الشيء له أو جرت بينه وبين المتهم الرسائل مدافعًا عنه، أي أن تثبت له هذه الصفة وفقًا للقانون، ويستوي أن يكون مختارًا أو منتدبًا، ولذلك لا تمتد الحصانة إلى ما يسلمه أو يبعث به المتهم إلى صديق كي ينصحه في خطة دفاعه، ولكن الحصانة تمتد إلى ما يبعث به المتهم إلى محام تمهيد لتوكيله في الدفاع عنه، أما الشرط الثاني، فهو أن تتوافر الصلة بين الشيء وبين الدفاع عن المتهم، أي يثبت أن وجوده في حيازة المدافع ضروري أو ملائم لحسن أدائه مهمته، والمحقق هو الذي يقدر ذلك، وتراقبه في تقديره محكمة الموضوع.
ولا يجوز ضبط المراسلات التي بين المحامي وموكله، سواء كانت في حيازة المدافع أو كانت في حيازة المتهم الذي تلقاه من المدافع أو يوشك على إرسالها إليه، بل لا يجوز ضبطها في مكاتب البريد أو البرق، ولا يجوز – استنادًا إلى ذات العلة – مراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية بين المتهم والمدافع عنه، إذ المحادثة رسالة في مدلولها الواسع، ولا يجوز التنصت أو تسجيل الأحاديث التي تدور بينهما.
ولا تعني القواعد السابقة عدم جواز تفتيش مكتب المدافع عن المتهم أو خبيره الاستشاري، شريطة أن يكون وفقًا للضوابط والقيود التي وضعتها المادة / 51 من قانون المحاماة 17/1983، وإنما تعني عدم جواز تفتيشه إذا انحصرت غاية التفتيش في ضبط المراسلات المتبادلة بين المتهم ومحاميه، إذ تكون الغاية غير مشروعة، فيبطل التفتيش تبعًا لذلك، ولكن الشارع اشترط في تفتيش مكتب المحامي – حين يكون جائزًا – أن يجريه أحد أعضاء النيابة العامة (المادة/ 51 من قانون المحاماة)، فلا يجوز أن يندب له مأمور الضبط القضائي، ولكن يجوز أن يجريه قاضي التحقيق من باب أولى، والضبط الذي يجرى خلافًا للقواعد السابقة يكون باطلاً، ولكن يجوز للمتهم – إذا قدر أن مصلحته في الدفاع تقتضي ذلك – أن يرضى باطلاع المحقق على المراسلات المتبادلة بينه وبين محاميه.
أما مقار نقابة المحامين، فتتمتع بحصانة خاصة، عبرت عنها بعض مواد تعليمات النيابة العامة.
فنصت المادة/ 327 من تعليمات النيابة العامة على أنه:
(لا يجوز لغير أعضاء النيابة العامة تفتيش مقار نقابة المحامين ونقاباتها الفرعية ولجانها الفرعية أو وضع أختام عليها، ويكون ذلك بحضور نقيب المحامين أو رئيس النقابة الفرعية أو من يمثلها، كما لا يجوز تفتيش مكاتب المحامين إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة.
ولا يصح بأي حال أن يندب أحد مأموري الضبط القضائي من غير أعضاء النيابة العامة – للقيام بأحد الإجراءات سالفة البيان – كما لا يجوز لمأمور الضبط القضائي القيام بها من تلقاء نفسه في حالة التلبس طبقًا لنص المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية).
كما نصت المادة / 594 من ذات التعليمات على أنه:
(إذا اقتضى الأمر تفتيش مقر نقابة المحامين أو إحدى النقابات أو اللجان الفرعية أو وضع أختام عليها فيجب أن يتم ذلك بمعرفة أحد أعضاء النيابة وبحضور نقيب المحامين أو رئيس النقابة الفرعية أو من يمثلهما بعد إخطاره بالحضور).
ثامنًا: عدم جواز الحجز على مكتب المحامي:
قدر المشرع أن أداء المحامي لمهمته السامية لا يمكن أن يتحقق ما لم يتحقق له الاستقرار والأمن والأمان للمكان الذي يمارس فيه مهنته ونشاطه، فلم يجز القانون الحجز على مكتبه وكافة محتوياته وأدواته المستخدمة في مزاولة وممارسة نشاطه المهني.
فقط نصت م/55 من قانون المحاماة رقم 17/1983 على أنه:
(لا يجوز الحجز على مكتب المحامي وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة المهنة).
كما وضعت م/ 306 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية نصًا عامًا لا يجوز بمقتضاه الحجز على ما يلزم كل مدين صاحب مهنة أو حرفة أيًا كانت من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته أو حرفته بنفسه إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة.
فقد نصت م/ 306 مرافعات سالفة البيان على أنه:
(لا يجوز الحجز على الأشياء الآتية إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة:
1- ما يلزم المدين من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته وحرفته بنفسه.
2-................................
ويشمل الحظر الوارد بالفقرة الأولى من المادة سالفة الذكر كل ما يلزم صاحب المهنة أو الحرفة لمزاولة مهنته أو حرفته كالكتب اللازمة للمحامي لمباشرة مهنته سواء كانت كتبًا قانونية أم تتصل بعلوم اجتماعية يلزم معرفتها لمباشرة مهنته أيًا كانت قيمتها واللزوم مسألة نسبية تختلف باختلاف المهنة واختلاف مركز الشخص فيها.
وحصانة المحامي تحتاج إلى نقابة تحاجي عليها وتحميها وتوفر لها فاعليتها، وعلى قدرة قوة ومهابة النقابة على قدر ما توفره لأبنائها حملة رسالة المحاماة من حماية فعلية تقيم سياجًا يحميهم من أي تجاوزات.
وجدير بالذكر أنه في سبتمبر 1946 حدث اعتداء من جانب رئيس محكمة مصر الابتدائية على بعض المحامين هم الأساتذة أحمد حسين وعزيز فهمي وعبد الحميد عبد المقصود، فاجتمعت الجمعية العمومية للنقابة في اجتماع غير عادي في 20 سبتمبر 1946 وقررت ما يلي:-
1- توافق الجمعية العمومية على ما تم في تسوية الحادث الذي وقع بين حضرة رئيس محكمة مصر وحضرات الزملاء وذلك بزيارة رئيس المحكمة ومعه كبار رجال القضاء والنيابة لدار النقابة وإظهار أسفه وإعرابه عن تقديره واحترامه لحضرات الزملاء الذين تقدموا بالشكوى لمجلس النقابة مما جعل المجلس وحضرات الزملاء يعتبرون أن الحادث المذكور قد انتهى.
2- تقرر الجمعية العمومية للمحامين أن المحاماة عنصر أساسي في النظام القضائي، وأن العدالة لا يمكن أن تتحقق تمامًا إلا بتعاون عناصر النظام القضائي كله وتبادل الاحترام والتقدير بين القضاء والمحاماة، وأن كل اعتداء على كرامة المحامين أو حقوقهم وكل حد من قيامهم بواجب الدفاع فيه إخلال خطير بالعدالة لن تقبله الجمعية العمومية، وهي تأمل أن يكون هذا الوضع دائمًا محل تقدير من الجميع، كما تود ألا تتجدد حوادث الاعتداء وإلا فإنها على استعداد في كل وقت لأن تجتمع وتقرر ما تراه لازمًا للمحافظة على كرامة المحامين وحقوق المهنة ولو أدى الأمر إلى امتناع المحامين عن مباشرة عملهم حتى تسير الأمور في مجراها الطبيعي.
وفي بداية عام 1949 حينما كان يجرى إعداد مشروع جديد لقانون الإجراءات الجنائية اتجهت اللجنة المختصة في مجلس الشيوخ إلى إلغاء نص المادة 51 من القانون 98 لسنة 1944 الخاصة بحصانة المحامي أثناء الجلسات، فقام الأستاذ الجليل عمر عمر/ نقيب المحامين وقتها بمقابلة أعضاء اللجنة وهددهم بأنه إذا ألغيت هذه المادة فسوف يضرب المحامون وينقلون أسماءهم إلى جداول غير المشتغلين، واجتمعت الجمعية العمومية للنقابة لهذا الغرض في 25 فبراير 1949 وقررت إزاء ذلك ما يلي: - (إن المحامين جميعهم لا يقبلون بحال إلغاء نص المادة/ 51 من قانون المحاماة رقم 98 لسنة 1944، لأنه نص وضع حرصًا على مصلحة العدالة وحافظًا على كرامة المحامين وتمكين المحامين من أداء واجبهم المقدس، وتفوض الج